الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ} (10)

قوله : { فِي الْحَافِرَةِ } : الحافِرَة : الطريقةُ التي يَرْجِعُ الإِنسانُ فيها من حيث جاء . يقال : رَجَعَ في حافرتِه ، وعلى حافرته . ثم يُعَبَّرُ بها عن الرجوعِ بالأحوال مِنْ آخرِ الأمرِ إلى أوَّلِه . قال :

أحافِرَةً على صَلَعٍ وشَيْبٍ *** معاذَ اللَّهِ مِنْ سَفَهٍ وعارِ

وأصلُه : أنَّ الإِنسان إذا رَجَعَ في طريقِه أثَّرَتْ قدماه فيها حَفْراً . وقال الراغب : " وقولُه في الحافرة مَثَلٌ لمَنْ يُرَدُّ مِنْ حيث جاء ، أي : أنَحْيا بعد أن نموتَ ؟ وقيل : الحافرةُ : الأرضُ التي [ جُعِلَتْ ] قبورُهم فيها ومعناه : أإنَّا لَمَرْدُودون ونحن في الحافِرة ؟ أي : في القبور . وقولُه : " في الحافرة " على هذا في موضعِ الحال . وقيل : رَجَع فلانٌ على حافِرَتِه ، ورَجَع الشيخُ إلى حافرته ، أي : هَرِمَ ، كقولِه : { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ } [ النحل : 70 ] . وقولُهم : " النَّقْدُ عند الحافِرة " لِما يُباع نَقْداً . وأصلُه في الفرس إذا بِيْع ، فيُقال : لا يَزُول حافِرُه أو يُنْقَدَ ثمنُه . والحَفْرُ : تَأَكُّلُ الأسنانِ . وقد حَفَر فُوه ، وقد أَحْفَر المُهْرُ للإِثْناءِ والإِرْباع ، أي : دنا لأن يكونَ ثَنِيَّاً أو رُباعياً " انتهى . والحافِرَةُ قيل : فاعِلَة بمعنى مَفْعُولة . وقيل : على النَّسَب ، أي : ذات حَفْرٍ ، والمراد : الأرضُ . والمعنى : إنَّا لمَرْدُودون في قبورنا أحياءً . وقيل : الحافرة : جَمْعُ حافِر بمعنى القَدَم ، أي : نمشي أحياءً على أقدامِنا ، وَنَطَأُ بها الأرضَ . وقيل : هي أولُ الأمرِ . وتقولُ التجَّار : " النَّقْدُ في الحافِرة " ، أي : أوَّلُ السَّوْمِ . وقال الشاعر :آلَيْتُ لا أَنْساكُمُ فاعْلَموا *** حتى تُرَدَّ الناسُ في الحافِرَهْ

وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة " في الحَفِرَة " بدون ألف . فقيل : هما بمعنى . وقيل : هي الأرض التي تَغَيَّرَتْ وأنْتَنَتْ بموتاها وأجسادِهم ، مِنْ قولِهم : حَفِرت أسنانُه ، أي : تَأَكَّلَتْ وتَغَيَّرَتْ . وقد تقدَّم خلافُ القراءِ في هذَيْن الاستفهامَيْنِ في سورةِ الرعد . وقوله : " في الحافِرَة " يجوزُ تعلُّقُه بمَرْدُوْدون ، أو بمحذوفٍ على أنه حالٌ كما تقدَّم .