روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الملك

وتسمى تبارك والمانعة والمنجية والمجادلة فقد أخرج الطبراني عن ابن مسعود قال كنا نسميها على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المانعة وأخرج الترمذي وغيره عن ابن عباس قال ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فأخبره فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر وأخرج الطبراني والحاكم وابن مردويه وعبد بن حميد في مسنده واللفظ له عن ابن عباس أنه قال لرجل ألا أتحفظ بحديث تفرح به قال بلى قال اقرأ تبارك الذي بيده الملك وعلمها أهلك وجميع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية والمجادلة يوم القيامة عند ربها لقارئها وتطلب له أن تنجيه من عذاب النار وينجو بها صاحبها من عذاب القبر الخبر وفي جمال القراء تسمى أيضا الواقية المانعة وهي مكية على الأصح وقيل غير ثلاث آيات منها وأخرجه ابن جويبر في تفسيره عن الضحاك عن ابن عباس وفي قول غريب أنها مدنية وآيها حدى ثلاثون آية في المكي والمدني الأخير وثلاثون في الباقي وسيأتي إن شاء الله تعالى قريبا ما يرجحه ووجه مناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ضرب مثلا للكفار بتينك المرأتين المحتوم لهما بالشقاوة وإن كانتا تحت نبيين عظيمين ومثلا للمؤمنين بآسية ومريم وهما محتوم لهما بالسعادة وإن أكثر قومهما كفار افتتح هذه بما يدل على إحاطته عز وجل وقهره وتصرفه في ملكه على ما سبق به قضاؤه وقيل أن أول هذه متصل بقوله تعالى آخر الطلاق الله الذي خلق سبع سماوات لما فيه من مزيد البسط لما يتعلق بذلك وفصل بسورة التحريم لأنها كالقطعة من سورة الطلاق والتتمة لها وقد جاء في فضلها أخبار كثيرة منها ما مر آنفا ومنها ما أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه وغيرهم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن سورة من كتاب الله ما هي إلا ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له تبارك الذي بيده الملك ومنها ما جاء في حديث رواه الطبراني وابن مردويه بسند جيد عن ابن مسعود وآخر رواه عنه جماعة وصححه الحاكم من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطيب وأخرج ابن مردويه عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقرأ الم تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كل ليلة لا يدعهما سفر ولا حضر ولهذا ونحوه قيل يندب قراءتها كل ليلة والحمد لله الذي وفقني لقراءتها كذلك منذ بلغت سن التمييز إلى اليوم وأسأل الله تعالى التوفيق لما بعد والقبول ورأيت في بعض شروح البخاري ندب قراءتها عند رؤية الهلال رجاء الحفظ من المكاره في ذلك الشهر ببركة آيها الثلاثين والله تعالى الموفق

{ تَبَارَكَ الذي بِيَدِهِ الملك } البركة النماء والزيادة حسية كانت أو عقلية وكثرة الخير ودوامه ونسبتها إلى الله عز وجل على المعنى الأول وهو الأليق بالمقام باعتبار تعاليه جل وعلا عما سواه في ذاته وصفاته وأفعاله وصيغة التفاعل للمبالغة في ذلك كما في نظائره مما لا يتصور نسبته إليه تعالى من الصيغ كالتكبر وعلى الثاني باعتبار كثرة ما يفيض منه سبحانه على مخلوقاته من فنون الخيرات والصيغة حينئذ يجوز أن تكون لإفادة نماء تلك الخيرات وازديادها شيئاً فشيئاً وآنا فآنا بحسب حدوثها أو حدوث متعلقاتها قيل ولاستقلالها بالدلالة على غاية الكمال وانبائها عن نهاية التعظيم لم يجز استعمالها في حق غيره سبحانه ولا استعمال غيرها من الصيغ في حقه تبارك وتعالى وقد مر تمام الكلام في هذا المقام وإسنادها إلى الموصول للاستشهاد بما في حيز الصلة على تحقق مضمونها لأن المراد بذلك أنه سبحانه كامل الإحاطة والاستيلاء بناء على أن بيده الملك استعارة تمثيلة لذلك ولا تجوز في شيء من مفرداته أو أن الملك على حقيقته واليد مجاز عن الإحاطة والاستيلاء كما قيل ولاستدعاء ذلك استغناء المنصف به مع افتقار الغير إليه في وجوده وكمالات وجوده كان له اختصاص بالموجود وكذلك في العرف العامي لا يطلق الملك على ما ليس كذلك فلذا قيل هنا في بيان معنى الآية تعالى وتعاظم بالذات عن كل ما سواه ذاتا وصفة وفعلا الكامل الإحاطة والاستيلاء على كل موجود وقوله تعالى : { وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ } تكميل لذلك لأن القرينة الأولى تدل على التصرف التام في الموجودات على مقتضى إرادته سبحانه ومشيئته من غير منازع ولا مدافع لا متصرف فيها غيره عز وجل كما يؤذن به تقديم الظرف وهذه تدل على القدرة الكاملة الشاملة ولو اقتصر على الأولى لأوهم أن تصرفه تعالى مقصور على تغيير أحوال الملك كما يشاهد من تصرف الملاك المجازي فقرنت بالثانية ليوذن بأنه عز سلطانه قادر على التصرف وعلى إيجاد الأعيان المتصرف فيها وعلى إيجاد عوارضها الذاتية وغيرها ومن ثم عقب ذلك بالوصف المتضمن للعوارض وهذا ما اختاره العلامة الطيبي وصاحب الكشاف اختار في القرينة الأولى ما ذكرناه فيها من التخصيص بالموجود فقال أي تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين الذي بيده الملك على كل موجود لما سمعت وفي الثانية التخصيص بالمعدوم فقال وهو على كل ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة قد ير ووجهه على ما في الكشف أن الشيء وان كان عاماً في كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه لكن لما قرن بالقدرة اختص بالمعدوم لاستغناء الموجود عن الفاعل عند جمهور المتكلمين القائلين بأن علة الاحتياج الحدوث وعليه الزمخشري وأصحابه وأما عند القائلين بأن علة الاحتياج الإمكان كالمحققين فلأن الاختيار يستدعي سبق العدم وجيء بالقرينة الثانية عليه تكميلاً أيضاً لأن الاختصاص بالموجود فيها إيهام نقص واختار صاحب التقريب أن قوله تعالى الذي بيده الملك مطلق وقوله سبحانه وهو على كل شيء قدير عام لما وضع له الشيء فيكون قد قصد بيان القدرة أولا وعمومها ثانيا ولم يرتض صنيع الزمخشري ونظر فيه بأن الشيء اما أن يختص بالموجود أو يشمل الموجود والمعدوم وعلى المذهبين فلا وجه لتخصيصه بما لم يوجد مع انضمام كل إليه اللهم إلا أن يقال خصصه به ليغاير ما قبله إذ خصصه بالموجود وفيه أيضاً نظر إذ لو عمم الثاني لتحقق التغاير أيضاً مع أن اليد مجاز عن القدرة فإن تخصصت به كما هو مذهبه تخصص الأول بالمعدوم وان لم تتخصص لم يتخصص الثاني بالمعدوم وادعى صاحب الكشف سقوطه بما نقلناه عنه واعترض عليه وأجيب بما لا يخلوا عن نظر فليتأمل ومن الناس من حمل الملك على الموجودات وجعل إليه مجازاً عن القدرة فيكون المعنى في قدرته الموجودة وتعقبه بعضهم بأن فيه ركاكة وأشار إلى أن الخلاص منها إما بجعل اليد مجازاً عن التصرف أو بتفسير الملك بالتصرف وقيل المراد من كون الملك بيده تعالى أنه عز وجل مالكه فمعنى بيده الملك مالك الملك وفسر الراغب الملك في مثل ذلك بضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم وشاع تخصيصه بعالم الشهادة ويقابله حينئذ الملكوت وليس بمراد هنا كما لا يخفي .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{تَبَٰرَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلۡمُلۡكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وهي ثلاثون آية واسمها الواقية والمنجية والمانعة . فهي تقي صاحبها وتنجيه من عذاب النار وتمنعه من عذاب القبر . والسورة حافلة بألوان مثيرة وعجاب من المواعظ وصور التذكير والتحذير . وفيها من أخبار النار وما يكابده فيها العصاة والخاسرون من ضروب التنكيل ما يخيف القلب ويستديم في النفس طول التذكير والحذر . وهي مبدوءة بالإخبار من الله عن عظيم صنعه وبالغ قدرته في هذا الكون المنتظم الرتيب الذي لا خلل فيه ولا نشاز ولا تفاوت . كون هائل شاسع مديد ، في غاية التماسك والتكامل والانسجام . وفي ذلك من عظيم البرهان ما يكشف عن عظمة الخالق المقتدر وأنه الإله الصانع الحكيم ، المنفرد في الخلق والإلهية .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير 1 الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور 2 الذي خلق سبع سماوات طباقا ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هلى ترى من فطور 3 ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير 4 ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير } .

ذلك تعظيم من الله لنفسه المباركة ، فهو الله الغالب المقتدر ، الذي خلق الكون والحياة والإنسان ، وخلق السماوات السبع في غاية الإحكام والانتظام والجمال . وهو قوله سبحانه : { تبارك الذي بيده الملك } يعني تقدس الله وتعاظم ، الذي بيده مقاليد كل شيء وفي قبضته وسلطانه ملكوت السماوات والأرض . وهو سبحانه لا يعز عليه أن يفعل في الخلق ما يشاء .