{ قُلْ } توبيخاً لهم وتبكيتاً { أَرَءيْتُمْ } أخبروني وقرئ { أَرَأَيْتُكُم } { مَا تَدَّعُونَ } ما تعبدون { مِن دُونِ الله } من الأصنام أو جميع المعبودات الباطلة ولعله الأظهر ، والموصول مفعول أول لأرأيتم وقوله تعالى : { أَرُونِىَ } تأكيد له فإنه بمعنى أخبروني أيضاً ، وقوله تعالى : { مَاذَا خَلَقُواْ } جوز فيه أن تكون { مَا } اسم استفهام مفعولاً مقدماً لخلقوا و { ذَا } زائدة وأن تكون { مَاذَا } اسماً واحداً مفعولاً مقدماً أي أي شيء خلقوا وأن تكون اسم استفهام مبتدأ أو خبراً مقدماً و { ذَا } اسم موصول خبراً أو مبتدأ مؤخراً وجملة { خَلَقُواْ } صلة الموصول أي ما الذي خلقوه ، وعلى الأولين جملة { خَلَقُواْ } مفعول ثان لأرأيتم وعلى ما بعدهما جملة { مَاذَا خَلَقُواْ } وجوز أن يكون الكلام من باب الأعمال وقد أعمل الثاني وحذف مفعول الأول واختاره أبو حيان ، وقيل : يحتمل أن يكون { أَرُونِىَ } بدل اشتمال من { أَرَءيْتُمْ } وقال ابن عطية : يحتمل { أَرَءيْتُمْ } وجهين . كونها متعدية و { مَا } مفعولاً لها . وكونها منبهة لا تتعدى و { مَا } استفهامية على معنى التوبيخ ، وهذا الثاني قاله الأخفش في { أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة } [ الكهف : 63 ] .
وقوله تعالى : { مّنَ الأرض } تفسير للمبهم في { مَاذَا خَلَقُواْ } قيل : والظاهر أن المراد من أجزاء الأرض وبقعها ، وجوز أن يكون المراد ما على وجهها من حيوان وغيره بتقدير مضاف يؤدي ذلك ، ويجوز أن يراد بالأرض السفليات مطلقاً ولعله أولى { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ } أي شركة مع الله سبحانه { فِي السموات } أي في خلقها ، ولعل الأولى فيها أيضاً أن تفسر بالعلويات . و { أَمْ } جوز أن تكون منقطعة وأن تكون متصلة ، والمراد نفي استحقاق آلهتهم للمعبودية على أتم وجه ، فقد نفى أولاً : مدخليتها في خلق شيء من أجزاء العالم السفلي حقيقة واستقلالاً ، وثانياً : مدخليتها على سبيل الشركة في خلق شيء من أجزاء العالم العلوي ، ومن المعلوم أن نفي ذلك يستلزم نفي استحقاق المعبودية ؛ وتخصيص الشركة في «النظم الجليل » بقوله سبحانه : { فِي السموات } مع أنه لا شركة فيها وفي الأرض أيضاً لأن القصد إلزامهم بما هو مسلم لهم ظاهر لكل أحد والشركة في الحوادث السفلية ليست كذلك لتملكهم وإيجادهم لبعضها بحسب الصورة الظاهرة .
وقيل : الأظهر أن تجعل الآية من حذف معادل { أَمْ } المتصلة لوجود دليله والتقدير الهم شرك في الأرض أم لهم شرك في السموات وهو كما ترى ، وقوله تعالى : { ائتونى بكتاب } إلى آخره تبكيت لهم بتعجيزهم عن الإتيان بسند نقلي بعد تبكيتهم بالتعجيز عن الإتيان بسند عقلي فهو من جملة القول أي ائتوني بكتاب الهي كائن { مّن قَبْلِ هذا } الكتاب أي القرآن الناطق بالتوحيد وإبطال الشرك دال على صحة دينكم { أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ } أي بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين شاهدة باستحقاقهم العبادة ، فالإثارة مصدر كالضلالة بمعنى البقية من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من لحم أي بقية منه .
وقال القرطبي : هي بمعنى الإسناد والرواية ، ومنه قول الأعشى :
إن الذي فيه تماريتما *** بين للسامع والآثِر
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن . وقتادة : المعنى أو خاصة من علم فاشتقاقها من الأثرة فكأنها قد آثر الله تعالى بها من هي عنده ، وقيل : هي العلامة . وأخرج أحمد . وابن المنذر . وابن أبي حاتم . والطبراني . وابن مردويه من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أو أثارة من علم " قال : الخط ، وروي ذلك أيضاً موقوفاً على ابن عباس ، وفسر بعلم الرمل كما في حديث أبي هريرة مرفوعاً " كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم " وفي رواية عن الحبر أنه قال : أن أثارة من علم { *خط } كان يخطه العرب في الأرض ، وهذا ظاهر في تقوية أمر علم الرمل وأنه شيء له وجه ويرشد إلى بعض الأمور ، وفي ذلك كلام يطلب من محله . وفي «البحر » قيل : إن صح تفسير ابن عباس الأثارة بالخط في التراب كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم ، والتنوين للتقليل و { بِهِ مِنْ عِلْمٍ } صفة أي أو ائتوني بأثارة قليلة كائنة من علم { إِن كُنتُمْ صادقين } في دعواكم فإنها لا تكاد تصح ما لم يقم عليها برهان عقلي أو دليل نقلي وحيث لم يقم عليها شيء منهما وقد قاما على خلافها تبين بطلانها . وقرئ { إثارة } بكسر الهمز وفسرت بالمناظرة فإنها تثير المعاني ، قيل : وذلك من باب الاستعارة على تشبيه ما يبرز ويتحقق بالمناظرة بما يثور من الغبار الثائر من حركات الفرسان . وقرأ علي . وابن عباس رضي الله تعالى عنهم بخلاف عنهما . وزيد بن علي . وعكرمة . وقتادة . والحسن . والسلمي . والأعمش . وعمرو بن ميمون { أثارة } بغير ألف وهي واحدة جمعها أثر كقترة وقتر ، وعلي كرم الله تعالى وجهه . والسلمي . وقتادة أيضاً بإسكان الثاء وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر أي قد قنعت منكم بخبر واحد أو أثر واحد يشهد بصحة قولكم ؛ وعن الكسائي ضم الهمزة وإسكان الثاء فهي اسم للمقدار كالغرفة لما يغرف باليد أي ائتوني بشيء ما يؤثر من علم ، وروي عنه أيضاً أنه قرأ { إثارة } بكسر الهمزة وسكون الثاء وهي بمعنى الأثرة بفتحتين .
قوله تعالى : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا } أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون . { أو أثارة من علم } قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين ، أي يسند إليهم . قال : مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء . وقال قتادة : خاصة من علم . وأصل الكلمة من الأثر ، وهو الرواية ، يقال : أثرت الحديث أثراً وإثارة ، ومنه قيل للخبر : أثر . { إن كنتم صادقين }
قوله : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله } أي قل لهؤلاء المشركين المكذبين : أرأيتم ما تعبدون من دون الله من الأنداد والشركاء { أروني ماذا خلقوا من الأرض } أي أخبروني ما الذي خلقوه من الأرض ، إنهم لم يخلقوا شيئا البتة بل إنهم هو المخلوقون { أم لهم شرك في السماوات } { أم } ، هي المنقطعة المقدرة من بل والهمزة . والاستفهام للتوبيخ والتقريع . والمعنى : بل ألهم شرك ، أي نصيب مع الله في خلق السماوات { ائتوني بكتاب من قبل هذا } أي ائتوني بكتاب من كتب النبيين السابقين يشهد بما تزعمون .
قوله : { أو أثارة من علم } { أثارة من علم } أي بقية من علم . وقيل : أو علم يؤثر . أو يؤثر وينقل وإن لم يكن مكتوبا . وقيل : أو علامة . وأصل الكلمة من الأثر وهي الرواية . أثرت الحديث إذ ذكرته عن غيرك . حديث مأثور ، أي نقله خلف عن سلف . وقيل : أو خاصة من علم أوتيتموه وأوثرتم به على غيركم . واختار الإمام الطبري رحمه الله المعنى الأول على أنه الصواب وهو : أو بقية من علم ، لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب . فيكون المعنى : ائتوني بكتاب من قبل هذا الكتاب يشهد بصدق ما تدعون لآلهتكم أو ببقية من علم يوصل بها إلى صحة ما تزعمون { إن كنتم صادقين } في دعواكم لآلهتكم ما تدعون .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.