{ قل أرأيتم ما تدعون } : معناه أخبروني عن الذين تدعون من دون الله ، وهي الأصنام .
{ أروني ماذا خلقوا من الأرض } : استفهام توبيخ ، ومفعول أرأيتم الأول هو ما تدعون .
وماذا خلقوا : جملة استفهامية يطلبها أرأيتم ، لأن مفعولها الثاني يكون استفهاماً ، ويطلبها أروني على سبيل التعليق ، فهذا من باب الإعمال ، أعمل الثاني وحذف مفعول أرأيتم الثاني .
ويمكن أن يكون أروني توكيداً لأرأيتم ، بمعنى أخبروني ، وأروني : أخبروني ، كأنهما بمعنى واحد .
وقال ابن عطية : يحتمل أرأيتم وجهين : أحدهما : أن تكون متعدية ، وما مفعولة بها ؛ ويحتمل أن تكون أرأيتم منبهة لا تتعدى ، وتكون ما استفهاماً على معنى التوبيخ ، وتدعون معناه : تعبدون . انتهى .
وكون أرأيتم لا تتعدى ، وأنها منبهة ، فيه شيء ؛ قاله الأخفش في قوله : { قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة } والذي يظهر أن ما تدعون مفعول أرأيتم ، كما هو في قوله : { قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون } في سورة فاطر ؛ وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة فيها .
وقد أمضى الكلام في أرأيتم في سورة الأنعام ، فيطالع هناك : و { من الأرض } ، تفسير للمبهم في : { ماذا خلقوا } .
والظاهر أنه يريد من أجزاء الأرض ، أي خلق ذلك إنما هو لله ، أو يكون على حذف مضاف ، أي من العالي على الأرض ، أي على وجهها من حيوان أو غيره .
ثم وقفهم على عبارتهم فقال : { أم لهم } : أي : بل .
{ أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل هذا } : أي من قبل هذا الكتاب ، وهو القرآن ، يعني أن هذا القرآن ناطق بالتوحيد وبإبطال الشرك ، وكل كتب الله المنزلة ناطقة بذلك ؛ فطلب منهم أن يأتوا بكتاب واحد يشهد بصحة ما هم عليه من عبادة غير الله .
{ أو أثارة من علم } ، أي بقية من علم ، أي من علوم الأولين ، من قولهم : سمنت الناقة على أثارة من شحم ، أو على بقية شحم كانت بها من شحم ذاهب .
والأثارة تستعمل في بقية الشرف ؛ يقال : لبني فلان أثارة من شرف ، إذا كانت عندهم شواهد قديمة ، وفي غير ذلك قال الراعي :
وذات أثارة أكلت علينا *** نباتاً في أكمته قفارا
وقرأ الجمهور : أو أثارة ، وهو مصدر ، كالشجاعة والسماحة ، وهي البقية من الشيء ، كأنها أثرة .
وقال الحسن : المعنى : من علم استخرجتموه فتثيرونه .
وقال مجاهد : المعنى : هل من أحد يأثر علماً في ذلك ؟ وقال القرطبي : هو الإسناد ، ومنه قول الأعشى :
إن الذي فيه تماريتما *** بين للسامع والآثر
أي : وللمستدعين غيره ؛ ومنه قول عمر رضي الله عنه : فما خلفت به ذاكراً ولا آثراً .
وقال أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقتادة : المعنى : أو خاصة من علم ، فاشتقاقها من الأثرة ، فكأنها قد آثر الله بها من هي عنده .
وقال ابن عباس : المراد بالأثارة : الخط في التراب ، وذلك شيء كانت العرب تفعله وتتكهن به وتزجر تفسيره .
الأثارة بالخط يقتضي تقوية أمر الخط في التراب ، وأنه شيء ليس له وجه إذاية وقف أحد إليه .
وقيل : إن صح تفسير ابن عباس الإثارة بالخط في التراب ، كان ذلك من باب التهكم بهم وبأقوالهم ودلائلهم .
وقرأ علي ، وابن عباس : بخلاف عنهما ، وزيد بن علي ، وعكرمة ، وقتادة ، والحسن ، والسلمي ، والأعمش ، وعمرو بن ميمون : أو أثرة بغير ألف ، وهي واحدة ، جمعها أثر ؛ كقترة وقتر ؛ وعلي ، والسلمي ، وقتادة أيضاً : بإسكان الثاء ، وهي الفعلة الواحدة مما يؤثر ، أي قد قنعت لكم بخبر واحد وأثر واحد يشهد بصحة قولكم .
وعن الكسائي : ضم الهمزة وإسكان الثاء .
وقال ابن خالويه ، وقال الكسائي على لغة أخرى : إثرة وأثرة يعني بكسر الهمزة وضمها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.