فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله } أي أخبروني ما تعبدون من دون الله من الأصنام { أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض } أي أيّ شيء خلقوا منها ، وقوله : { أَرُونِيَ } يحتمل أن يكون تأكيداً لقوله : { أَرَءيْتُمْ } ، أي أخبروني أروني والمفعول الثاني لأرأيتم { ماذا خلقوا } ، ويحتمل أن لا يكون تأكيداً ، بل يكون هذا من باب التنازع ، لأن أرأيتم يطلب مفعولاً ثانياً ، وأروني كذلك { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السموات } أم هذه هي المنقطعة المقدّرة ببل والهمزة ، والمعنى : بل ألهم شركة مع الله فيها ؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع { ائتوني بكتاب مّن قَبْلِ هذا } هذا تبكيت لهم وإظهار لعجزهم وقصورهم عن الإتيان بذلك ، والإشارة بقوله { هذا } إلى القرآن ، فإنه قد صرّح ببطلان الشرك ، وأن الله واحد لا شريك له ، وأن الساعة حقّ لا ريب فيها ، فهل للمشركين من كتاب يخالف هذا الكتاب ، أو حجة تنافي هذه الحجة . { أَوْ أثارة مّنْ عِلْمٍ } . قال في الصحاح : { أو أثارة من علم } ، بقية منه ، وكذا الأثرة بالتحريك . قال ابن قتيبة : أي بقية من علم الأوّلين . وقال الفراء ، والمبرد : يعني : ما يؤثر عن كتب الأوّلين . قال الواحدي : وهو معنى قول المفسرين . قال عطاء : أو شيء تأثرونه عن نبيّ كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم . قال مقاتل : أو رواية من علم عن الأنبياء .

وقال الزجاج : أو أثارة : أي علامة ، والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة ، وأصل الكلمة من الأثر ، وهي الرواية يقال : أثرت الحديث آثره أثرة وأثارة وأثراً : إذا ذكرته عن غيرك . قرأ الجمهور { أثارة } على المصدر كالسماحة والغواية . وقرأ ابن عباس ، وزيد بن علي ، وعكرمة والسلمي والحسن وأبو رجاء بفتح الهمزة والثاء من غير ألف . وقرأ الكسائي : ( أثرة ) بضم الهمزة وسكون الثاء { إِن كُنتُمْ صادقين } في دعواكم التي تدّعونها ، وهي قولكم إن لله شريكاً ولم تأتوا بشيء من ذلك ، فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي ، والنقلي على خلافه .

/خ9