فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

{ والذين كفروا عما أنذروا } وخوفوا به في القرآن من البعث والحساب والجزاء والعذاب { معرضون } والجملة في محل نصب على الحال ، أي : والحال أنهم مولون غير مستعدين له ولا مؤمنين به { قل أرأيتم } أخبروني { ما تدعون } وتعبدون { من دون الله } من الأصنام وغيرها .

{ أروني } يحتمل أن يكون تأكيدا لقوله : قل أرأيتم أي أخبروني أروني والمفعول الثاني لأرأيتم قوله : { ماذا } أي : أي شيء { خلقوا من الأرض ؟ } ويحتمل أن لا يكون تأكيدا بل كون هذا من باب التنازع ، لأن أرأيتم يطلب مفعولا ثانيا وأروني كذلك .

{ أم لهم شرك في السماوات } أم منقطعة مقدرة ببل والهمزة والمعنى بل ألهم شركة مع الله فيها ؟ والاستفهام للتوبيخ والتقريع وتخصيص الشرك بالسماوات دون أن يعمم بالأرض أيضا احتراز عما يتوهم أن للوسائط شركة في إيجاد الحوادث السفلية .

{ إيتوني بكتاب } منزل ، هذا من جملة المقول والأمر تبكيت لهم وإظهار لعجزهم وقصورهم عن الإتيان بذلك ، وإشارة إلى نفي الدليل المنقول بعد الإشارة إلى نفي الدليل المعقول { من قبل هذا } أي القرآن فإنه صرح ببطلان الشرك ، وأن الله واحد لا شريك له ، وأن الساعة حق لا ريب فيها ، فهل للمشركين كتاب يخالف هذا الكتاب ؟ أو حجة تنافي هذه الحجة ؟ .

{ أو أثارة من علم } قال في الصحاح أي بقية منه وكذا الأثرة بالتحريك قال ابن قتيبة : أي بقية من علم الأولين وقال الفراء والمبرد ، يعني : ما يؤثر عن كتب الأولين قال الواحدي : وهو معنى قول المفسرين . قال عطاء ، أو شيء تأثرونه عن نبي كان قبل محمد صلى الله عليه وسلم ، قال مقاتل أو رواية من علم على الأنبياء ، وقال الزجاج : أو أثارة أي علامة والأثارة مصدر كالسماحة والشجاعة ، وأصل الكلمة من الأثر ، وهي الرواية يقال : أثرت الحديث أثره أثرة وأثاره وأثرا إذا ذكرته عن غيرك ، قرأ الجمهور " آثارة " على المصدر كالسماحة والغواية .

وقرأ ابن عباس وزيد بن علي وغيرهما بفتح الهمزة والثاء أثرة من غير ألف وقرئ أثرة بضم الهمزة وسكون الثاء ، قال ابن عباس : " أو أثارة من علم أي خط " وأخرجه أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم وغيرهم قال سفيان لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني أن هذا الحديث مرفوع لا موقوف على ابن عباس .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كان نبي من الأنبياء يخط فمن صادف مثل خطه علم " أخرجه عبد بن حميد ، وابن مردويه ، ومعنى هذا ثابت في الصحيح ، ولأهل العلم فيه تفاسير مختلفة ، ومن أين لنا أن هذه الخطوط الرملية موافقة لذلك الخط ؟ وأين السند الصحيح إلى ذلك النبي ؟ أو إلى نبينا صلى الله عليه وسلم إن هذا الخط هو على صورة كذا فليس ما يفعله أهل الرمل إلا جهالات وضلالات .

وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أو أثارة من علم قال : حسن الخط " أخرجه ابن مردويه ، وعن ابن عباس قال : " خط كان تخطه العرب في الأرض " وعنه قال بينة من العلم { إن كنتم صادقين } في دعواكم التي تدعونها وهي قولكم : إن لله شريكا ، أو إن الله أمركم بعبادة الأوثان ولم يأتوا بشيء من ذلك فتبين بطلان قولهم لقيام البرهان العقلي والنقلي على خلافه .