تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

ثم قال : { قُلْ } أي : لهؤلاء المشركين العابدين مع الله غيره : { أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ } أي : أرشدوني إلى المكان الذي استقلوا بخلقه من الأرض ، { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ } أي : ولا شرك لهم في السموات ولا في الأرض ، وما يملكون من قطمير ، إن المُلْك والتصرّف كله إلا الله ، عز وجل ، فكيف تعبدون معه غيره ، وتشركون به ؟ من أرشدكم إلى هذا ؟ من دعاكم إليه ؟ أهو أمركم به ؟ أم هو شيء اقترحتموه من عند أنفسكم ؟ ولهذا قال : { اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا } أي : هاتوا كتابا من كتب الله المنزلة على الأنبياء {[26375]} ، عليهم الصلاة والسلام ، يأمركم بعبادة هذه الأصنام ، { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } أي : دليل بَيِّن على هذا المسلك الذي سلكتموه { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أي : لا دليل لكم نقليًا ولا عقليا على ذلك ؛ ولهذا قرأ آخرون : " أو أثَرَة من علم " أي : أو علم صحيح يأثرونه عن أحد ممن قبلهم ، كما قال مجاهد في قوله : { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } أو أحد يأثُر علما .

وقال العَوْفي ، عن ابن عباس : أو بينة من الأمر .

وقال {[26376]} الإمام أحمد : حدثنا يحيى ، عن سفيان ، حدثنا صفوان بن {[26377]} سُلَيم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن ابن عباس قال سفيان : لا أعلم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أو أثَرَة من علم " قال : " الخط " {[26378]} .

وقال أبو بكر بن عياش : أو بقية من علم . وقال الحسن البصري : { أَوْ أَثَارَةٍ } شيء يستخرجه فيثيره .

وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وأبو بكر بن عياش أيضا : { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } يعني الخط .

وقال قتادة : { أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ } خاصة من علم .

وكل هذه الأقوال متقاربة ، وهي راجعة إلى ما قلناه ، وهو اختيار ابن جرير رحمه الله وأكرمه ، وأحسن مثواه .


[26375]:- (2) في ت، م، أ: "هاتوا كتابا من الكتب المنزلة على أنبيائهم".
[26376]:- (1) في ت: "وروى".
[26377]:- (2) في أ: "عن" وهو خطأ.
[26378]:- (3) المسند (1/226).