الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

وقوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ } معناه : ما تَعْبُدُونَ ، ثم وقفهم على السماوات ؛ هَلْ لهم فيها شِرْكٌ ، ثم استدعى منهم كتاباً مُنَزَّلاً قبل القرآن يتضمَّن عبادَةَ الأَصْنَامِ ، قال ابن العربيِّ في «أحكامه » : هذه الآية مِنْ أَشْرَفِ آية في القرآن ؛ فإنَّها استوفَتِ الدَّلالَةَ على الشرائع عَقْلِيِّهَا وسَمْعِيِّها ؛ لقوله عزَّ وجلَّ : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السماوات } فهذا بيانٌ لأدِلَّة العَقْلِ المتعلِّقة بالتوحيدِ ، وحُدُوثِ العالم ، وانفراد البارِي تعالى بالقدرة والعِلْمِ والوجُودِ والخَلْقِ ، ثم قال : { ائتوني بكتاب مِّن قَبْلِ هذا } : على ما تقولون ، وهذا بيان لأدلَّة السَّمْعِ ؛ فَإنَّ مدرك الحق إنما يكون بدليل العقل أو بدليل الشرع ، حسبما بَيَّنَّاهُ من مراتب الأدِلَّة في كتب الأصول ، ثم قال : { أَوْ أثرة مِّنْ عِلْمٍ } يعني : أو عِلْمٍ يؤْثَرُ ، أي : يروى ويُنْقَلُ ، وإنْ لم يكن مكتوباً ، انتهى .

وقوله : { أَوْ أثارة } معناه : أو بَقِيَّةٍ قديمةٍ من عِلْمِ أحد العلماءِ ، تقتضي عبادة الأصنام ، والأثارة البَقِيَّةُ من الشيء ، وقال الحسنُ : المعنى : من عِلْمٍ تستَخْرِجُونَهُ فتثيرونه ، وقال مجاهدٌ : المعنى : هل مِنْ أَحَدٍ يأثر علماً في ذلك ، وقال القرطبيُّ : هو الإسناد ؛ ومنه قول الأعشى :

إنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا *** بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالآثِرِ

أي : وللمُسْنِدِ عن غيره ، وقال ابن عباس : الأثارة : الخَطُّ في التراب ، وذلك شيْءٌ كانَتِ العَرَبُ تفعله ،