تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكٞ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِۖ ٱئۡتُونِي بِكِتَٰبٖ مِّن قَبۡلِ هَٰذَآ أَوۡ أَثَٰرَةٖ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} (4)

الآية 4 وقوله تعالى : { قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين } يحتمل أن يكون ما ذكر كله موصولا بعضه ببعض ، ويحتمل أن يكون بعضه مفصولا عن بعض .

فإن كان على الوصل فكأنه يقول : أرأيتم ما تعبدون من الأصنام ، وتدعونها آلهة ، هل خلقوا مما [ خلق الله ]{[19264]} لكم من المنافع ومما به حياتكم وقِوامُكم ومعاشكم مما تُخرج الأرض ؟ أو هل يُنزِلون لكم من المنافع التي جعلها{[19265]} لكم في السماء من الأمطار وغيرها ؟ أو هل أتاكم كتاب من عند الله ، فيه أنه أمركُم بعبادة من تعبدونه ؟

[ وقوله تعالى ]{[19266]} : { أو أثارة من علم } هو يخرّج على وجهين :

أحدهما : أو جاءكم من الحكماء الأولين المتقدّمين كتاب أو قول فيه الأمر بذلك ؟

[ والثاني : أو استخرجتكم ]{[19267]} من العلوم ذلك ، فقلتم به ؟

يقول ، والله أعلم : إن الأسباب التي تحمل الناس على العبادة والخدمة لهم [ في ]{[19268]} هذه الوجوه : إما منافع تتصل بهم منهم مما به قوامهم ومعاشهم وحياتهم ، وإما كتاب من الله تعالى ، فيه حجة لهم وأمر لهم بذلك [ وإما ]{[19269]} كتاب من الحكماء والرسل [ يأمرونهم فيه ]{[19270]} وهم قوم لا يؤمنون بالرسل ولا بالكتاب ، وليست لهم علوم مُستخرَجة من العلوم .

يقول : ليس لكم مما ذكر من الأسباب والعلوم بما عبدتموها ، فكيف اخترتم عبادتها على عبادة من عرفتم أن ما به قوامُكم وحياتكم منه ، والله أعلم .

وإن كان [ بعضه ]{[19271]} مفصولا من بعض فيكون كأنه يقول : { أروني ماذا خلقوا من الأرض } من المنافع وغيرها { أم لهم شرك } في ما ذكر . فإن قالوا : قد خلقوا ما ذكر ، ولهم شرك في ما ذكر فقل لهم : { ائتوني بكتاب من قبل هذا } من كتب الحكماء أو العلوم المستخرجة من العلوم { إن كنتم صادقين } أنهم خلقوا ما ذكرتم ، أو لهم شرك في ما ذكر ، والله أعلم .

وقد علموا أنهم لا يقدرون أن يُرُوهُ{[19272]} ما ذكر لما لم يكن لهم من هذه الأسباب شيء ؛ إذ هي أسباب العلم ، وقد عجِزوا عن ذلك كلّه .

ثم قوله تعالى : { أو أثارة من عِلمٍ } قال بعضهم : أو خاصة من علم . وقال بعضهم : أو بقية من علم أوائلهم ، وهو قول القتبيّ : أي بقية من علم ، يُؤثَر عن الأولين . ويُقرأ : أثرةٍ{[19273]} وأثارة .

وأصله ما ذكرنا من الوجهين : أحدهما : كتاب الحكماء والرسل عليهم السلام .

والثاني : العلوم المستخرجة من سائر العلوم .

وقال بعضهم : { أو أثارة من علم } هو الخطّ ، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه .

وذُكر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ أنه ]{[19274]} قال : ( كان نبي من الأنبياء عليهم السلام يخُطّ فمن صادف مثل خطه عَلِمَ ) [ السيوطي في الدر المنشور 7/434 ] .

وقال أبو عوسجة : { أو أثارة من علم } أي قديم من علم ؛ قال : ذو{[19275]} الأثارة الشحم القديم . وقيل : أثارة من علم ، أي رواية عن الأنبياء عليهم السلام .


[19264]:ساقطة من الأصل وم.
[19265]:في الأصل وم: جعل.
[19266]:ساقطة من الأصل وم.
[19267]:في الأصل وم: واستخرجتم.
[19268]:ساقطة من الأصل وم.
[19269]:في الأصل وم: أو.
[19270]:في الأصل وم: يأمرون لهم.
[19271]:ساقطة من الأصل وم.
[19272]:في الأصل وم: يرونه.
[19273]:انظر معجم القراءات القرآنية ج6/161‍ و/‍162.
[19274]:ساقطة من الأصل وم.
[19275]:في الأصل وم: ذا.