روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

{ وأخرى } عطف على { هذه } في { فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه } [ الفتح : 20 ] فكأنه قيل فعجل لكم هذه المغانم وعجل لكم مغانم أخرى وهي مغانم هوازن في غزوة حنين ، والتعجيل بالنسبة إلى ما بعد فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين ، وقوله تعالى : { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } في موضع الصفة ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها ، وقوله تعالى : { قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } في موضع صفة أخرى لأخرى مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة إلى قدرته عز وجل بعد بيان صعوبة منالها بالنظر إلى قدرتهم ، والأحاطة مجاز عن الاستيلاء التام أي قد قدر الله تعالى عليها واستولى فيه في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد ، وقد أظهركم جل شأنه عليها وأظفركم بها ، وقيل : مجاز عن الحفظ أي قد حفظها لكم ومنعها من غيركم ، والتذييل بقوله سبحانه : { وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء قَدِيراً } أوفق بالأول ، وعموم قدرته تعالى لكونها مقتضى الذات فلا يمكن أن تتغير ولا أن تتخلف وتزول عن الذات بسبب ما كما تقرر في موضعه ، فتكون نسبتها إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغايرة بل مختلفة ، وجوز كون { أخرى } منصوبة بفعل يفسره قد أحاط الله بها مثل قضى .

وتعقب بأن الأخبار بقضاء الله تعالى بعد اندراجها في جملة الغنائم الموعود بها بقوله تعالى : { وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا } [ الفتح : 20 ] ليس فيه مزيدة فائدة وإنما الفائدة في بيان تعجيلها ، وأورد عليه أن المغانم الكثيرة الموعودة ليست معينة ليدخل فيها الأخرى ، ولو سلم فليس المقصودة بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فتدبر ، وجوز كونها مرفوعة بالابتداء والجملة بعدها صفة وجملة قد أحاط الخ خبرها ، واستظهر هذا الوجه أبو حيان ، وقال بعض الخبر محذوف تقديره ثمت أو نحوه ، وجوز الزمخشري كونها مجرورة باضمار رب كما في قوله :

وليل كموج البحر أرخى سدوله *** وتعقبه أبو حيان بأن فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن العظيم جارة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف تضمر هنا ، وأنت تعلم أن مثل هذه الغرابة لا تضر ، هذا وتفسير الأخرى بمغانم هوازن قد أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس واختاره غير واحد ، وقال قتادة . والحسن : هي مكة وقد حاولوها عام الحديبية ولم يدركوها فأخبروا بأن الله تعالى سيظفرهم بها ويظهرهم عليها ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس . والحسن ، ورويت عن مقاتل أنها بلاد فارس والروح وما فتحه المسلمون ، وهو غير ظاهر على تفسير المغانم الكثيرة الموعودة فيما سبق بما وعد الله تعالى به المسلمين من المغانم إلى يوم القيامة ، وأيضاً تعقبه بعضهم بأن { لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } يشعر بتقدم محاولة لتلك البلاد وفوات دركها المطلوب مع أنه لم تتقدم محاولة .

وأخرج ابن جرير ، وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : هي خيبر ، وروى ذلك عن الضحاك . وإسحق . وابن زيد أيضاً ، وفيه خفاء فلا تغفل .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

{ وَأُخْرَى } أي : وعدكم أيضا غنيمة أخرى { لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا } وقت هذا الخطاب ، { قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا } أي : هو قادر عليها ، وتحت تدبيره وملكه ، وقد وعدكموها ، فلا بد من وقوع ما وعد به ، لكمال اقتدار الله تعالى ، ولهذا قال : { وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا }

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

قوله : { وأخرى لم تقدروا عليها } أخرى ، في موضع نصب بالعطف على { مغانم } {[4263]} يعني : فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى { لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها } أي أعدها الله لكم ، فأنتم لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم . أو حفظها الله عليكم ليكون فتحها لكم .

واختلفوا في المراد بالمغانم الأخرى التي لم يقدروا عليها . فقيل : ما فتح الله على المسلمين من فتوح كأرض فارس والروم . وجميع ما فتحه المسلمون ، وقيل : ما يفتحه المسلمون من البلاد إلى قيام الساعة .

قوله : { وكان الله على كل شيء قديرا } لا يتعذر على الله أن يفعل ما يشاء لبالغ قدرته وعظيم سلطانه .


[4263]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 378.
 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

قوله: {وأخرى لم تقدروا عليها} يعني قوى فارس والروم وغيرها {قد أحاط الله} علمه {بها} أن يفتحها على يدي المؤمنين {وكان الله على كل شيء} من القرى {قديرا} على فتحها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله:"وأُخْرَى لم تَقْدِروا عليها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِهَا "يقول تعالى ذكره ووعدكم أيها القوم ربكم فتح بلدة أخرى لم تقدروا على فتحها، قد أحاط الله بها لكم حتى يفتحها لكم.

واختلف أهل التأويل في هذه البلدة الأخرى، والقرية الأخرى التي وعدهم فتحها، التي أخبرهم أنه محيط بها؛

فقال بعضهم: هي أرض فارس والروم، وما يفتحه المسلمون من البلاد إلى قيام الساعة...

وقال آخرون: بل هي خيبر... قال ابن زيد، في قوله: "وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللّهُ بِها" قال: خيبر، قال: لم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها...

وقال آخرون: بل هي مكة... عن قتادة "وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها" قال: بلغنا أنها مكة.

وهذا القول الذي قاله قتادة أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها، ومعقولٌ أنه لا يقال لقوم لم يقدروا على هذه المدينة، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذّرت عليهم، فأما وهم لم يروموها فتتعذّر عليهم فلا يقال: إنهم لم يقدروا عليها.

فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه خيبر لحرب، ولا وجه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية، علم أن المعنيّ بقوله: "وأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها" غيرها، وأنها هي التي قد عالجها ورامها، فتعذّرت فكانت مكة وأهلها كذلك، وأخبر الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحها عليهم، وكان الله على كلّ ما يشاء من الأشياء ذا قُدرة، لا يتعذّر عليه شيء شاءه.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{وأخرى} معطوفة على هذه، أي: فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} وهي مغانم هوازن في غزوة حنين، وقال: لم تقدروا عليها لما كان فيها من الجوالة {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} أي قدر عليها واستولى وأظهركم عليها وغنمكموها.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

ومعنى "قد أحاط الله بها ": أي أعدها لكم. فهي كالشيء الذي قد أحيط به من جوانبه، فهو محصور لا يفوت، فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{وأخرى} أي ووعدكم مغانم كثيرة غير هذه وهي -والله أعلم- مغانم هوازن التي لم يحصل قبلها ما يقاربها. ولما كان في علمه سبحانه وتعالى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم مقرون فيها إلا من لا يمكنه في العادة أن يهزمهم ليحوي الغنائم، فكان ما في علمه تعالى لتحققه كالذي وقع وانقضى، قال تعالى: {لم تقدروا} أي بما علمتم من قراركم {عليها} ولما توقع السامع- بعد علمه بعجزهم عنها الإخبار عن السبب الموصل إلى أخذها بما تقرر عند من صدق الوعد بها، قال مفتتحاً بحرف التوقع: {قد أحاط الله} أي المحيط بكل شيء علماً وقدرة {بها} فكانت بمنزلة ما أدير عليه سور مانع من أن يغلب منها شيء عن حوزتكم أو يقدر غيركم أن يأخذ منها شيئاً، ولذلك و- للتعميم ختم الآية بقوله: {وكان الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال أزلاً وأبداً {على كل شيء} منها ومن غيرها {قديراً} بالغ القدرة لأنه بكل شيء عليم.

محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :

ثم أشار تعالى إلى تبشير أهل بيعة الرضوان بالظفر والنصر المستمر، لصدق إيمانهم، وإخلاصهم في ثباتهم، وإيثارهم مرضاة الله ورسوله على كل محبوب، بقوله: {ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا 22}...

تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :

{وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} أي ووعدكم الله فتح بلاد أخرى لم تقدروا عليها، قد حفظها لكم حتى تفتحوها، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها كفارس والروم، أقدركم عليهم بعز الإسلام وقد كنتم قبل ذلك مستضعفين أمامهم لا تستطيعون دفعهم عن أنفسكم.

{وكان الله على كل شيء قديرا} أي وكان الله على كل ما يشاء من الأشياء ذا قدرة لا يتعذر عليه شيء...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

كذلك يمن عليهم ويبشرهم بأخرى غير هذه. لم يقدروا عليها بقوتهم، ولكن الله تولاها عنهم بقدرته وتقديره: (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها، وكان الله على كل شيء قديرا)..

وتختلف الروايات في هذه الأخرى. أهي فتح مكة؟ أهي فتح خيبر؟ أهي فتوح مملكتي كسرى وقيصر؟ أهي فتوح المسلمين التي تلت هذه الوقعة جميعا؟

وأقرب ما يناسب السياق أن تكون هي فتح مكة. بعد صلح الحديبية وبسبب من هذا الصلح. الذي لم يدم سوى عامين، ثم نقضه المشركون، ففتح الله مكة للمسلمين بلا قتال تقريبا. وهي التي استعصت عليهم من قبل، وهاجمتهم في عقر دارهم، وردتهم عام الحديبية. ثم أحاط الله بها، وسلمها لهم بلا قتال -(وكان الله على كل شيء قديرا).. فهذه بشرى ملفوفة في هذا الموضع، لم يحددها لأنها كانت عند نزول هذه الآية غيبا من غيب الله. أشار إليه هذه الإشارة لبث الطمأنينة والرضى والتطلع والاستبشار.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

فعُلِم أن الآية أشارت إلى ثلاثة أنواع من المغانم: نوع من مغانم موعودة لهم قريبة الحصول وهي مغانم خيبر، ونوع هو مغانم مرجوة كثيرة غير معين وقت حصولها، ومنها مغانم يوم حنين وما بعده من الغزوات، ونوع هو مغانم عظيمة لا يَخطر ببالهم نوالها قد أعدها الله للمسلمين ولعلها مغانم بلاد الروم وبلاد الفرس وبلاد البربر. وفي الآية إيماء إلى أن هذا النوع الأخير لا يناله جميع المخاطبين لأنه لم يأت في ذكره بضميرهم، وهو الذي تأوله عُمر في عدم قسمة سواد العراق وقرأ قوله تعالى: {والذين جاءوا من بعدهم} [الحشر: 10].