محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

وقوله تعالى :

{ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا 21 } .

{ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها } معطوف على { هذه } أي فعجّل لكم هذه المغانم ، ومغانم أخرى ، وهي مغانم هوازن في غزوة حنين ، لأنه قال { لم تقدروا عليها } وهذا يدل على تقدم محاولة لها . وقال الحسن : هي فارس والروم . قال القرطبيّ : وكونها معجلة ، وإن كانت لم تحصل إلا في عهد عمر ، بالنسبة لما بعدها من الغنائم الإسلامية .

وعن قتادة : هي مكة . قال ابن جرير :{[6643]} وهذا القول الذي قاله قتادة ، أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل . وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها . ومعقول أنه لا يقال لقوم ، لم يقدروا على هذه المدينة ، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذرت عليهم . فأما وهم لم يرموها فتتعذر عليهم ، فلا يقال إنهم لم يقدروا عليها فإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه ، خيبر لحرب ، ولا وجّه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية ، عُلم أن المعني بقوله : { وأخرى لم تقدروا عليها } غيرها ، وأنها هي التي عالجها ورامها فتعذرت ، فكانت مكة وأهلها كذلك . وأخبر الله تعالى نبيّه والمؤمنين ، أنه أحاط بها وبأهلها . وأنه فاتحها عليهم . انتهى .

وقال القرطبيّ : معنى { قد أحاط الله بها } أي أعدها لكم ، فهي كالشيء الذي أحيط به من جميع جوانبه ، فهو محصور لا يفوت . فأنتم ، وإن لم تقدروا عليها في الحال ، فهي محبوسة / عليكم لا تفوتكم . وقيل : { أحاط الله بها } علم أنها ستكون لكم ، كما قال { وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } . وقيل : حفظها الله عليكم ، ليكون فتحها لكم . انتهى .

وقد جوّز في { أخرى } أن تكون معطوفة على { مغانم } المنصوب ب { وعدكم } وأن تكون مرفوعة بالابتداء و { لم تقدروا عليها } صفتها و { قد أحاط الله بها } خبر . وأوجه أخر .

{ وكان الله على كل شيء قديرا } أي : لا يبعد عليه إذا شاءه .

ثم أشار تعالى إلى تبشير أهل بيعة الرضوان بالظفر والنصر المستمر ، لصدق إيمانهم ، وإخلاصهم في ثباتهم ، وإيثارهم مرضاة الله ورسوله على كل محبوب ، بقوله : { ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا 22 } .


[6643]:انظر الصفحة رقم 92 من الجزء السادس والعشرين)طبعة الحلبي الثانية(.