اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأُخۡرَىٰ لَمۡ تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهَا قَدۡ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا} (21)

قوله : «وأخرى » يجوز فيها أوجه :

أحدها : أن تكون مرفوعة بالابتداء و{ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } صفتها و{ قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } خبرها .

الثاني : أن الخبر «منهم » محذوف مقدر قبلها ، أي وَثَمَّ أخرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا .

الثالث : أن تكون منصوبة بفعل مضمر على شريطة التفسير ، فتقدر بالفعل من معنى المتأخر وهو { قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } أي وقَضَى اللهُ أُخَْرَى .

( الرابع : أن تكون منصوبة بفعل مضمر لا على شريطة التفسير ، بل لِدَلاَلة السِّياقِ ، أي ووَعَدَ أُخْرَى ، أو وآتاكُمْ أخرى{[51762]} .

الخامس : أن تكون مجرورة ب «رُبَّ » مقدرة ، ويكون الواو واو «رب » ذكره الزمخشري{[51763]} . وفي المجرور بعد الواو المذكورة خلاف{[51764]} مشهور أهو برُبَّ مضمرة أم بنفس الواو ؟ إلا أبا حيان قال : ولم تأت «رُبَّ » جارة في القرآن على كَثْرة دورها{[51765]} ، يعني جارة لفظاً وإلا تقدر . قيل : إنها جارة تقديراً هنا وفي قوله : { رُّبَمَا } [ الحجر : 2 ] على قولنا : إنّ ما نكرة موصوفةٌ ){[51766]} .

قوله : { قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } يجوز أن يكون خبراً ل «أُخْرَى » كما تقدم ، أو صفة ثانية إذَا قِيلَ بأن أخرى مبتدأ وخبرها{[51767]} مضمر أو حالاً{[51768]} أيضاَ .

فصل

قال المفسرون : معناه أي وعدكم فتح بلدة أخرى لم تقِدروا عليها قد أحاط الله بها حتى يفتحها لكم كأنه حفظها لكم ، ومنعها من غيركم حتى تأخذوها . قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[51769]} علم الله أنه يفتحها لكم . قال ابن الخطيب : تقديره : وعدكم الله مغانم تأخذونها ، ومغانم لا تأخذونها أنتم ولا تقدرون عليها ، وإنما يأخذها من يجيء بعدكم من المؤمنين . وهذا تفسير الفراء{[51770]} . قال : معنى قوله : { قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا } أي حفظها للمؤمنين ، لا يجري عليها هلاك وفناء إلى أن يأخذها المسلمون كإحاطة الحُرَّاسِ بالخَزَائِنِ{[51771]} .

واختلفوا فيها فقال ابنُ عباس والحسن ومقاتل : هي فارس والرومُ ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم ، بل كانوا حولاً لهم حتى قدروا عليها الإسلام .

وقال الضَّحَّاكُ وابنُ زيد : هي خيبر وعدها الله عزّ وجلّ نبيه صلى الله عليه وسلم قبل أن يصيبها ولم يكونوا يرجونها . وقال قتادة : هي مكَّة . وقال عِكْرِمَةُ : حُنَيْن . وقال مجاهد : وما فَتَحُوا حتى اليوم ، { وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }{[51772]} .


[51762]:قال بهذه الأوجه الأربعة أبو البقاء في التبيان 1166 و1167، وقال الزمخشري بالوجهين الرابع والخامس. وانظر الكشاف 3/547.
[51763]:المرجع السابق.
[51764]:وقد نقل ابن هشام في المغني 361 أنه يرجح أن تكون الواو التي يجر الكلام بعدها واو عطف قال: والصحيح أنها واو العطف وأن الجر برب محذوفة خلافا للكوفيين والمبرد وحجتهم افتتاح القصائد بها كقول رؤبة: وقاتم الأعماق خاوي المخترقن وأجيب بجواز تقدير العطف على شيء في نفس المتكلم. ويوضح كونها عاطفة أن واو العطف لا تدخل عليها كما تدخل على واو القسم قال: ووالله لولا تمره ما حببته ولا كان أدنى من عبيد ومشرق
[51765]:بالمعنى من البحر فقد قال: "ولم تأت في القرآن جارة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف يؤتي بها مضمرة؟" انظر البحر 8/97.
[51766]:أي رب شيء هذا. وما بين القوسين كله سقط من نسخة ب.
[51767]:في ب وخبره.
[51768]:في النسختين حال والأصح ما أثبت أعلى فالمؤلف يقصد أو حالا بالعطف على خبرا لأخرى أي ويجوز أن تكون جملة "قد أحاط" حالية. وانظر الإعراب في التبيان 1167.
[51769]:زيادة من أ.
[51770]:في الرازي: وعلى هذا تبين لقول الفراء حسن، وذلك لأنه فسر قوله تعالى: {قد أحاط}. انظر الرازي 28/97.
[51771]:بالمعنى من الفراء قال: "قد أحاط الله بها" أحاط لكم بها أن يفتحها لكم. معاني القرآن وإعرابه 3/67.
[51772]:القرطبي 16/278.