{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول } استئناف لبيان حالهم التي أشير إلى شدتها وفظاعتها ، وتنوين ( إذ ) عوض على الصحيح عن الجملتين السابقتين ، وقيل : عن الأولى ، وقيل : عن الأخيرة ، والظرف متعلق بيود وجعله متعلقاً بشهيد ، وجملة { يَوَدُّ } صفة ، والعائد محذوف أي فيه بعيد ، والمراد بالموصول إما المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتعبير عنهم بذلك لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلة ما اعتراهم من الحال الفظيعة والأمر الهائل ، وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان الرسالة لتشريفه وزيادة تقبيح حال مكذبيه ، وإما جنس الكفرة ويدخل أولئك في زمرتهم دخولاً أولياً ، والمراد من { الرسول } الجنس أيضاً ويزيد شرفه انتظامه للنبي صلى الله عليه وسلم انتظاماً أولياً ، و { عَصَواْ } معطوف على { كَفَرُواْ } داخل معه في حيز الصلة ؛ والمراد عصيانهم بما سوى الكفر ، فيدل على أن الكفار مخاطبون بالفروع في حق المؤاخذة ، وقال أبو البقاء : إنه في موضع الحال من ضمير { كَفَرُواْ } وقد مرادة ، وقيل : صلة لموصول آخر أي والذين عصوا ، فالإخبار عن نوعين : الكفرة والعصاة ، وهو ظاهر على رأي من يجوز إضمار الموصول كالفراء ، وفي المسألة خلاف أي يود في ذلك اليوم لمزيد شدّته ومضاعف هوله الموصوفون بما ذكر في الدنيا .
{ لَوْ تسوى بِهِمُ الارض } إما مفعول { يَوَدُّ } على أن { لَوْ } مصدرية أي يودون أن يدفنوا وتسوى الأرض ملتبسة بهم ، أو تسوى عليهم كالموتى ، وقيل : يودون أنهم بقوا تراباً على أصلهم من غير خلق ، وتمنوا أنهم كانوا هم والأرض سواء ، وقيل : تصير البهائم تراباً فيودون حالها . وعن ابن عباس أن المعنى يودون أن يمشي عليهم أهل الجمع يطأونهم بأقدامهم كما يطأون الأرض ، وقيل : يودون لو يعدل بهم الأرض أي يؤخذ منهم ما عليها فدية ، وإما مستأنفة على أن { لَوْ } على بابها ومفعول { يَوَدُّ } محذوف لدلالة الجملة ، وكذا جواب { لَوْ } إيذاناً بغاية ظهوره أي يودون تسوية الأرض بهم لو تسوى لسروا . وقرأ نافع وابن عامر ويزيد { تسوى } على أن أصله تتسوى ، فأدغم التاء في السين لقربها منها ، وحمزة والكسائي { تسوى } بحذف التاء الثانية مع الإمالة يقال : سويته فتسوى .
{ وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً } عطف على { يَوَدُّ } أي أنهم يومئذٍ لا يكتمون من الله تعالى حديثاً لعدم قدرتهم على الكتمان حيث إن جوارحهم تشهد عليهم بما صنعوا ، أو أنهم لا يكتمون شيئاً من أعمالهم بل يعترفون بها فيدخلون النار باعترافهم ، وإنما لا يكتمون لعلمهم بأنهم لا ينفعهم الكتمان ، وإنما يقولون : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] في بعض المواطن قاله الحسن ، وقيل : الواو للحال أي يودون أن يدفنوا في الأرض وهم لا يكتمون منه تعالى حديثاً ولا يكذبونه بقولهم : { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } إذ روى الحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم إذا قالوا ذلك ختم الله على أفواههم فتشهد عليهم جوارحهم فيتمنون أن تسوى بهم الأرض وجعلها للعطف وما بعدها معطوف على { تسوى } على معنى يودون لو تسوى بهم الأرض وأنهم لا يكونون كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم وبعثه في الدنيا كما روي عن عطاء بعيد جداً .
وأقرب منه العطف على مفعول { يَوَدُّ } على معنى يودون تسوية الأرض بهم وانتفاء كتمانهم إذ قالوا { والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } .
( هذا ومن باب الإشارة ) :{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذين كَفَرُواْ } بالاحتجاب { وَعَصَوُاْ الرسول } بعدم المتابعة { لَوْ تسوى بِهِمُ الارض } لتنطمس نفوسهم أو تصير ساذجة لا نقش فيها من العقائد الفاسدة والرذائل الموبقة { وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثاً } [ النساء : 42 ] أي لا يقدرون على كتم حديث من تلك النقوش وهيهات أنى يخفون شيئاً منها ، وقد صارت الجبال كالعهن المنفوش :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.