قوله : ( يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا ) الآية [ 42 ] .
يوم يجيء من كل أمة شهيد يتمنى الكافرون( {[12478]} ) ( لَوْ تَسَّوَّى بِهِمُ الاَرْضُ ) أي : يصيرون تراباً مثلها كما قال : ( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً )( {[12479]} ) . ومن قرأ " تُسوى " ( بالضم ) ، فالمعنى يتمنون لو سواهم الله( {[12480]} ) والأرض سواء ، ومن قرأ " تَسوى " بالفتح والتخفيف ، فهو مثل المشددة ، إلا أنه حذف إحدى التاءين( {[12481]} ) .
وقيل المعنى : لو انقسمت بهم الأرض فيصاروا في بطنها( {[12482]} ) . وقال الحسن في قراءة الضم : إن المعنى " لو تسوى " بالتخفيف عليهم( {[12483]} ) ، والباء بمعنى على( {[12484]} ) ، فالمعنى تنشق فتسوى عليهم .
قوله : ( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) أي : لا تكتم جوارحهم حديثاً من الله .
قال ابن عباس : لما رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الإسلام جحدوا فقالوا : ( وَاللَّهِ رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) [ الأنعام : 24 ] فختم الله على أفواههم وتكلمت( {[12485]} ) ( أيديهم )( {[12486]} ) ، وأرجلهم فلا يكتمون الله حديثاً( {[12487]} ) ، وعنه هذا التفسير باختلاف ألفاظ .
وسبب تفسيره لهذا القول من له( {[12488]} ) يقول الله عن الكافرين أنهم قالوا : ( وَاللَّهِ رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )( {[12489]} ) وقد كتموا( {[12490]} ) ويخبر( {[12491]} ) أنهم لا يكتمون الله حديثاً ففسره بما ذكرنا ، وقوله ( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) على قول غير ابن عباس( {[12492]} ) أنهم يودون لواستووا( {[12493]} ) بهم الأرض ، ولا يكتمون الله حديثاً لما عاينوا( {[12494]} ) جوارحهم تشهد عليهم( {[12495]} ) .
وقيل : المعنى يومئذ لا يكتمون الله حديثاً ، ويودون لوت تسوى بهم الأرض ، وهو معنى تفسير ابن عباس لأن السائل سأل كيف أخبر أنهم لم يكتموا الله حديثاً ، وقد أخبر( {[12496]} ) أنهم كتموا في قولهم ( وَاللَّهِ رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )( {[12497]} ) .
وقيل : المعنى يتمنون لو استووا مع الأرض ، وليس يكتمون الله حديثاً( {[12498]} ) أي هو عالم بهم وبما أسروا مما يودون ويتمنون بهم( {[12499]} ) ، وإن لم ينطقوا به ، فليس ذلك( {[12500]} ) بكتمان على الله [ تعالى-كأن الكلام قد تم على قوله- لو تسوى بهم الأرض ، ثم قال : وليس يخفى على الله ]( {[12501]} ) من حديثهم شيء( {[12502]} ) وهذا جواب ثالث عن الآيتين( {[12503]} ) .
وقيل : المعنى أنهم يتمنون إذ عصوا( {[12504]} ) الرسول أن يسووا( {[12505]} ) مع الأرض ويودون لا يكتمون الله حديثاً( {[12506]} ) .
وكتمانهم الذي ندموا عليه هو قولهم ( وَاللَّهِ رَبَّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) وهو جواب ثالث( {[12507]} ) لمن سأل عن الآيتين .
وقال قتادة : هي مواطن في يوم القيامة ، فمواطن يجحدون ، ومواطن يقرون .
وجاء رجل إلى ابن عباس( {[12508]} ) فقال له : رأيت أشياء تختلف علي في القرآن ، فقال : ما هو ؟ أشك في القرآن ؟ فقال : ليس بشك ، ولكنه اختلاف ، فقال : هات ما اختلف عليكم من ذلك ، فقال : أسمع الله عز وجل يقول :
( ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمُ إِلاَّ أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ )( {[12509]} ) وقال ( وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) فقد كذبوا إذا ادعوا الإسلام . فقال ابن عباس : وماذا ؟ قال أسمعه يقول :
( فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ( {[12510]} ) ) وقال : ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ )( {[12511]} ) .
وقال : ( اَئِنَّكُمْ لَتكْفُرُونَ بِالذِي خَلَقَ الاَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ) .
إلى قوله : ( ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ )( {[12512]} ) الآية .
وقال في آية أخرى : ( اَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا * [ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ] .
( {[12513]} )والاَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا )( {[12514]} ) . وأسمعه يقول : ( [ وَكَانَ ]( {[12515]} ) اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) الآية [ 17 ] .
فقال ابن عباس : " أما قولهم ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام ، يغفر لهم الذنوب جميعاً ، ولا يتعاظم ذنب يغفره ، ولا يغفر شركاً ، جحدوا وقالوا : ( وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) رجاء أن يغفر لهم ، فختم الله عز وجل على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك ( يَوَدُّ الذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْ الرَّسُولَ لَوْ تَسَّوّى بِهِمُ الاَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ) يريد أنهم ندموا في جحدهم وقالوا : ( مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ) .
وأما قوله : ( فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ) فإنه ينفخ في الصور ، فيصعق من في السموات ، ومن في الأرض إلا من شاء الله ( فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ ) .
( ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ )( {[12516]} ) ( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ )( {[12517]} ) .
وأما قوله ( اَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ ) . . . ) الآية فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخاناً فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض . وأما قوله : ( وَالاَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) فإنه تعالى دحاها بعد خلق السموات ، وجعل فيها جبالاً وأنهاراً وبحوراً .
وأما قوله : ( وَكَانَ اللَّهُ ) فإن الله لم يزل كذلك عزيراً حكيماً قديراً لم يزل كذلك وما اختلف عليكم من القرآن فهو شبه ما ذكرت لك( {[12518]} ) .
وقال مجاهد : ( وَالاَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أي : مع ذلك( {[12519]} ) .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.