الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَوۡمَئِذٖ يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثٗا} (42)

أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله { لو تسوى بهم الأرض } يعني أن تستوي الأرض والجبال عليهم .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية يقول : ودوا لو انخرقت بهم الأرض فساخوا فيها .

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج { لو تسوى بهم الأرض } تنشق لهم فيدخلون فيها فتسوي عليهم .

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : أرأيت أشياء تختلف على من في القرآن ؟ فقال ابن عباس : ما هو ، أشك في القرآن ؟ قال : ليس شك ولكنه اختلاف . قال : هات ما اختلف عليك من ذلك . قال : أسمع الله يقول ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام الآية 23 ) وقال { ولا يكتمون الله حديثا } فقد كتموا ، وأسمعه يقول ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ( المؤمنون الآية 101 ) ثم قال ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) ( الصافات الآية 27 ) وقال ( أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين ) ( فصلت الآية 9 ) حتى بلغ ( طائعين ) ، فبدأ بخلق الأرض في هذه الآية قبل خلق السماء ثم قال في الآية الأخرى ( أم السماء بناها ) ( النازعات الآية 27 ) ثم قال ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ( النازعات الآية 30 ) فبدأ بخلق السماء في هذه الآية قبل خلق الأرض ، وأسمعه يقول ( وكان الله عزيزا حكيما ) ( وكان الله غفورا رحيما ) ( وكان الله سميعا بصيرا ) ، فكأنه كان ثم مضى . وفي لفظ ما شأنه يقول ( وكان الله ) فقال ابن عباس : أما قوله ( ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام الآية 23 ) ، فإنهم لما رأوا يوم القيامة ، وأن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحده المشركون رجاء أن يغفر لهم فقالوا : والله ربنا ما كنا مشركين ، فختم الله على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك يود الذين كفروا لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا . وأما قوله ( فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ) ( المؤمنون الآية 101 ) فهذا في النفخة الأولى ( ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ) ( الزمر الآية 68 ) فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ( ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) ( الزمر الآية 68 ) ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون ) ( الصافات الآية 27 ) . وأما قوله ( خلق الأرض في يومين ) ( فصلت الآية 9 ) فإن الأرض خلقت قبل السماء ، وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سموات في يومين بعد خلق الأرض . وأما قوله ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ( النازعات الآية 6 ) يقول : جعل فيها جبلا ، جعل فيها نهرا ، جعل فيها شجرا ، وجعل فيها بحورا . وأما قوله ( وكان الله ) فإن الله كان ولم يزل كذلك ، وهو كذلك ( عزيز حكيم ) ( عليم قدير ) ثم لم يزل كذلك ، فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك ، وأن الله لم ينزل شيئا إلا وقد أصاب به الذي أراد ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

وأخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك . أن نافع بن الأزرق أتى ابن عباس فقال : يا ابن عباس قول الله { يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا } وقوله ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام الآية 23 ) فقال له ابن عباس : إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت : ألقي على ابن عباس متشابه القرآن ، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بقيع واحد . فيقول المشركون : إن الله لا يقبل من أحد شيئا إلا ممن وحده . فيقولون : تعالوا نقل . فيسألهم فيقولون ( والله ربنا ما كنا مشركين ) ( الأنعام الآية 23 ) فيختم على أفواههم وتستنطق به جوارحهم ، فتشهد عليهم أنهم كانوا مشركين ، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سويت بهم ولا يكتمون الله حديثا .

وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم عن حذيفة قال : " أتي بعبد آتاه الله مالا فقال له : ماذا علمت في الدنيا - ولا يكتمون الله حديثا - فقال : ما عملت من شيء يا رب إلا أنك آتيتني مالا فكنت أبايع الناس ، وكان من خلقي أن أنظر المعسر قال الله : أنا أحق بذلك منك تجاوزوا عن عبدي . فقال أبو مسعود الأنصاري : هكذا سمعت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس { ولا يكتمون الله حديثا } قال : بجوارحهم .