{ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ } قرأ أهل المدينة والشام بفتح التاء وتشديد السين ، على معنى : تتسوّى فأُدغمت التاء بالسين ، وقرأ أهل الكوفة إلاّ عاصماً بفتح التاء وتخفيف السين ، على حذف تاء تفعل ، كقوله :
{ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [ هود : 105 ] ، وقرأ الباقون بضم التاء وتخفيف السين على المجهول ، قالوا : سُوّيت بهم الأرض وصاروا هم والأرض شيئاً واحداً ، وقال قتادة وعبيدة : يعني لو تحركت الأرض فساروا فيها ، وعادوا إليها كما خرجوا منها ، ثم تسوى عليهم حتى تعلوهم ، ابن كيسان : ودوّا أنهم لم يبعثوا طرّاً ، وإنما نقلوا من التراب وكانت الأرض مستوية بهم . الكلبي : يقول الله عزّ وجلّ للبهائم والوحش والطير والسباع : كنّ تراباً فتسوّى بها الأرض ، فعند ذلك يتمنى الكافرون لو كانوا تراباً يمشي عليهم أهل الجمع ، بيانه قوله عزّ وجلّ :
{ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } [ النبأ : 40 ] .
قال الثعلبي : وحكي أُستاذنا أبو القاسم الحسين أنّه سمع من تأول هذه الآية : يعدل بهم ما على الأرض من شيء فدية ، بيانه :
{ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } [ المعارج : 11 ] الآية .
{ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً } : قال عطاء : ودّوا لو تسوّى بهم الأرض ، وإنّهم لم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا نعته ، وقال آخرون : بل هو كلام مستأنف ، يعني ويكتمون الله حديثاً ؛ لأنّ ما عملوا لا يخفى على الله عزّ وجلّ ، ولا يقدرون على كتمانه ، الكلبي وجماعة : لا يكتمون الله حديثاً لأنّ خزنة جهنم تشهد عليهم .
سعيد بن جبير : جاء رجل إلى ابن عباس ، فقال : أشياء تختلف عليّ في القرآن ، أهو شك فيه ؟ قال : لا ، ولكن اختلاف في آيات الاختلاف عليك من ذلك ، فقال : اسمع ، الله عزّ وجلّ يقول :
{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] ، وقال : { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً } فقد كتموا ، فقال ابن عباس : أما قولهم { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } فإنهم لما رأوا يومَ القيامة أنّ الله يغفر لأهل الإسلام قالوا : تعالوا فلنشهد فجحد المشركون ، فقالوا : { وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } رجاء أن يغفر لهم فيختم على أفواههم ، وتتكلم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، فعند ذلك { يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً } . الحسن : إنّها مواطن ، ففي موطن لا يتكلمون ولا يسمع الاّ همساً ، وفي مواطن يتكلمون ويكذبون ، ويقولون : { مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } وما كنّا نعمل من سوء ، وفي موطن يعترفون على أنفسهم ، وهو قوله عزّ وجلّ
{ فَاعْتَرَفُواْ بِذَنبِهِمْ } [ الملك : 11 ] ، وفي موضع آخر يسألون الرحمة ، وإنّ آخر تلك المواطن أنّ أفواههم تختم ، وجوارحهم تتكلم ، وهو قوله تعالى { وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.