إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ} (23)

{ قَالَ رَجُلاَنِ } استئنافٌ كما سبق كأنه قيل : هل اتفقوا على ذلك أو خالفهم البعض ؟ فقيل : قال رجلان : { مِنَ الذين يَخَافُونَ } أي يخافون الله تعالى دون العدوِّ ويتّقونه في مخالفة أمرِه ونهيِه ، وبه قرأ ابنُ مسعود ، وفيه تعريضٌ بأن مَنْ عداهما لا يخافونه تعالى . بل يخافون العدو . وقيل : من الذين يخافون العدو أي منهم في النسب لا في الخوف وهما يوشَعُ بنُ نون وكالب بن يوقنا من النقباء ، وقيل : هما رجلان من الجبابرة أسلما وسارا إلى موسى عليه السلام ، فالواو حينئذ لبني إسرائيلَ ، والموصول عبارة عن الجبابرة ، وإليهم يعود العائد المحذوف ، أي من الذين يخافهم بنو إسرائيل ويعضده قراءة من قرأ ( يُخافون ) على صيغة المبني للمفعول أي المَخُوفين ، وعلى الأول يكون هذا من الإحافة أي من الذين يخوِّفون من الله تعالى بالتذكير أو يخوِّفهم الوعيدُ { أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا } أي بالتثبيت وربْطِ الجأش والوقوف على شؤونه تعالى والثقة بوعده ، أو بالإيمان وهو صفة ثانيةٌ لرجلان ، أو اعتراض ، وقيل : حال من الضمير في يخافون أو من رجلان لتخصّصه بالصفة ، أي قالا مخاطِبين لهم ومشجعين { ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب } أي بابَ بلدهم ، وتقديم الجار والمجرور عليه للاهتمام به لأن المقصودَ إنما هو دخولُ الباب وهم في بلدهم أي باغِتوهم وضاغِطوهم في المَضيق وامنعوهم من البُروز إلى الصحراء لئلا يجدوا للحرب مجالاً { فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ } أي باب بلدهم وهم فيه { فَإِنَّكُمْ غالبون } من غير حاجة إلى القتال فإنا قد رأيناهم وشاهدنا أن قلوبَهم ضعيفة ، وإن كانت أجسادُهم عظيمة ، فلا تخشَوْهم واهجُموا عليهم في المضايق فإنهم لا يقدرون فيها على الكر والفر . وقيل : إنما حَكَما بالغَلَبة لما عَلِماها من جهة موسى عليه السلام ومن قوله تعالى : { كَتَبَ الله لَكُمْ } [ المائدة ، الآية 21 ] أو لِما علِما من سنّته تعالى في نَصرة رسله وما عهِدا من صُنعه تعالى لموسى عليه السلام من قهر أعدائه ، والأول أنسبُ بتعليق الغلَبةِ بالدخول . { وَعَلَى الله } تعالى خاصةً { فَتَوَكَّلُوا } بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها بمعزلٍ من التأثير ، وإنما التأثير من عند الله العزيز القدير { إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي مؤمنين به تعالى مصدِّقين لوعده فإن ذلك مما يوجبُ التوكل عليه حتماً .