روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش } أي ما تزايد قبحه من المعاصي . وقيل : ما يتعلق بالفروج { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } بدل من { الفواحش } أي جهرها وسرها . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما ظهر الزنا علانية وما بطن الزنا سراً وقد كانوا يكرهون الأول ويفعلون الثاني فنهوا عن ذلك مطلقاً . وعن مجاهد ما ظهر التعري في الطواف وما بطن الزنا . وقيل : الأول : طواف الرجال بالنساء . والثاني : طواف النساء بالليل عاريات .

{ والإثم } أي ما يوجب الإثم ، وأصله الذم فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب ، وذكر للتعميم بعد التخصيص بناء على ما تقدم من معنى الفواحش . وقيل : إن الإثم هو الخمر كما نقل عن ابن عباس والحسن البصري وذكره أهل اللغة كالأصمعي وغيره وأنشدوا له قول الشاعر

: نهانا رسول الله أن نقرب الزنا *** وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا

وقول الآخر

: شربت الإثم حتى ضل عقلي *** كذاك الإثم يذهب بالعقول

وزعم ابن الأنباري أن العرب لا تسمي الخمر اثماً في جاهلية ولا إسلام وأن الشعر موضوع . والمشهور أن ذلك من باب المجاز لأن الخمر سبب الإثم . وقال أبو حيان وغيره : ( إن هذا التفسير غير صحيح هنا لأن السورة مكية ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد ) . وأيضاً يحتاج حينئذ إلى دعوى أن الحصر إضافي فتدبر . { والبغى } الظلم والاستطالة على الناس . وأفرد بالذكر بناء على التعميم فيما قبله أو دخوله في الفواحش للمبالغة في الزجر عنه { بِغَيْرِ الحق } متعلق بالبغي لأن البغي لا يكون إلا كذلك . وجوز أن يكون حالاً مؤكدة . وقيل : جيء به ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه فإنه يسمى بغياً في الجملة لكنه بحق وهو كما ترى { وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } أي حجة وبرهاناً ، والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معاً على أبلغ وجه كقوله

: لا ترى الضب بها ينجحر *** وفيه من التهكم بالمشركين ما لا يخفى { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بالإلحاد في صفاته واإفتراء عليه كقولهم : { والله أَمَرَنَا بِهَا } [ الأعراف : 28 ] ولا يخفى ما في توجيه التحريم إلى قولهم عليه سبحانه ما لا يعلمون وقوعه دون ما يعلمون عدم وقوعه من السر الجليل .

( ومن باب الإشارة ) :{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش } رذائل القوة البهيمية { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغى } رذائل القوة السبعية { وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 33 ] رذائل القوة النطقية وكل ذلك من موانع الزينة