روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ} (83)

{ فَإِن رَّجَعَكَ الله } أي من سفرك ، والفاء لتفريع الأمر الآتي على ما بين من أمرهم و { رَجْعُ } هنا متعد بمعنى رد ومصدره الرجع وقد يكون لازماً ومصدره الرجوع ، وأوثر استعمال المتعدي وإن كان استعمال اللازم كثيراً إشارة إلى أن ذلك السفر لما فيه من الخطر يحتاج الرجوع منه لتأييد الهي ولذا أوثرت كلمة { ءانٍ } على إذا أي فإن ردك الله سبحانه { إلى طَائِفَةٍ مّنْهُمْ } أي إلى المنافقين من المتخلفين بناء على أن منهم من لم يكن منافقاً أو إلى من بقي من المنافقين المتخلفين بأن ذهب بعضهم بالموت أو بالغيبة عن البلد أو بأن لم يستأذنك البعض ، وقيل : المراد بتلك الطائفة من بقي من المنافقين على نفاقه ولم يتب وليس بذاك .

أخرج ابن المنذر . وغيره عن قتادة أنه قال في الآية : ذكر لنا أنهم كانوا اثنى عشر رجلاً من المنافقين وفيهم قيل ما قيل . { فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ } معك إلى غزوة أخرى بعد غزوتك هذه التي ردك الله منها بتأييده { فَقُلْ } لهم إهانة لهم على أتم وجه { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أَبَدًا } ما دمت ودمت { وَلَن تقاتلوا مَعِىَ عَدُوّا } من الأعداء ، وهو أخبار في معنى النهي للمبالغة .

وذكر القتال كما قال بعض المحققين لأنه المقصود من الخروج فلو اقتصر على احدهما لكفي إسقاطاً لهم عن مقام الصحبة ومقام الجهاد أو عن ديونا الغزاة وديوان المجاهدين وإظهاراً لكراهة صحبتهم وعدم من الجند أو ذكر الثاني للتأكيد لأنه أصرح في المراد والأول لمطابقته للسؤال ، ونظير ذلك :

أقول له ارحل لا تقين عندنا *** فإن الثاني أدل على الكراهة { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود } عن الخروج معي وفرحتم به { أَوَّلَ مَرَّةٍ } أي من الخروج فنصب أفعل المضاف على المصدرية ، وقيل : على الظرفية الزمانية واستبعده أبو حيان ، والظاهر أن هذا الاختلاف للاختلاف في { مَرَّةٍ } ونقل عن أبي البقاء أنها في الأصل مصدر مر يمر ثم استعملت ظرفاً ، واختار القاضي البيضاوي بيض الله غرة أحواله النصب على المصدرية وأشار إلى تأنيث الموصوف حيث قال : وأول مرة هي الخرجة إلى عزوة تبوك وذكر أفعل لأن التذكير هو الأكثر في مثل ذلك . وفي الكشاف أن { مَرَّةٍ } نكرة وضعت موضع المرات للتفضيل ، وذكر اسم التفضيل المضاف إليها وهو دال على واحدة من المرات لأن أكثر اللغتين هند أكبر النساء وهي أكبرهن ، وهي كبرى مرأة لا تكاد تعثر عليه ولكن هي أكبر امرأة وأول مرة وآخر مرة ، وعلل في الكشف عدم العثور على نحو هي كبرى امرأة بأن أفعل فيه مضاف إلى غير المفضل عليه بل إلى العدد المتلبس هو به بياناً له فكأنه قيل : هي امرأة أكبر من كل واحدة واحدة من النساء ، وفي مثله لا يختلف أفعل التفضيل ، فالتحقيق أنه لا يشبه ما فيه اللام وإنما المطابقة بين موصوفة وما أضيف إليه ولا مدخل لطباقه في اللفظ والمعنى فتدبر ، والجملة في موضع التعليل لما سلف فهي مستأنفة استئنافاً بيانياً أي لأنكم رضيتم { فاقعدوا مَعَ الخالفين } أي المتخلفين لعدم لياقتهم كالنساء والصبيان والرجال العاجزين ، وجمع المذكر للتغليب ، واقتصر ابن عباس على الأخير ، وتفسير الخالف بالمتخلف هو المأثور عن أكثر المفسرين السلف ، وقيل : إنه من خلف بمعنى فسد .

ومنه خلوف فم الصائم لتغير رائحته ، والظرف متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالاً من ضمير الجمع ، والفاء لتفريع الأمر بالقعود بطريق العقوبة على ما صدر منهم من الرضا بالقعود أي إذا رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا من بعد .

وقرأ عكرمة { *الخافين } بوزن حذرين ولعله صفة مشبهة مثله ، وقيل : هو مقصور من الخالفين إذ لم يثبت استعماله كذلك على أنه صفة مشبهة .