فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ} (83)

{ فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَائِفَةٍ مّنْهُمْ } الرجع متعدّ كالردّ ، والرجوع : لازم ، والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها ، وإنما قال { إلى طَائِفَةٍ } لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة ، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ، ثم عفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا ، وسيأتي بيان ذلك ، وقيل : إنما قال : إلى طائفة ، لأن منهم من تاب عن النفاق ، وندم على التخلف { فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ } معك في غزوة أخرى بعد غزوتك هذه { فَقُلْ } لهم : { لَّن تَخْرُجُواْ مَعِي أَبَدًا وَلَن تقاتلوا مَعِي عَدُوّا } أي : قل لهم ذلك عقوبة لهم ، ولما في استصحابهم من المفاسد ، كما تقدم في قوله : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً } ، وقرئ بفتح الياء من معي في الموضعين ، وقرئ بسكونها فيهما ، وجملة : { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ } للتعليل ، أي لن تخرجوا معي ، ولن تقاتلوا ، لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف أوّل مرّة ، وهي غزوة تبوك ، والفاء في { فاقعدوا مَعَ الخالفين } لتفريع ما بعدها على ما قبلها ، والخالفين جمع خالف ، كأنهم خلفوا الخارجين ، والمراد بهم : من تخلف عن الخروج ، وقيل : المعنى : فاقعدوا مع الفاسدين .

من قولهم : فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسداً فيهم ، من قولك : خلف اللبن : أي فسد بطول المكث في السقاء . ذكر معناه الأصمعي ، وقرئ : «فاقعدوا مع الخالفين » وقال الفراء : معناه : المخالفين .

/خ83