فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ} (83)

{ فإن رجعك الله } الرجع متعد كالرد والرجوع لازم واللازم من باب جلس والمتعدي من باب قطع وفي الكرخي معنى الرجوع تصيير الشيء إلى المكان الذي كان فيه ، يقال رجعته رجعا كقولك رددته والفاء لتفريع ما بعدها على ما قبلها .

وإنما قال { إلى طائفة منهم } لأن جميع من أقام بالمدينة لم يكونوا منافقين بل كان فيهم غيرهم من المؤمنين لهم أعذار صحيحة ، وفيهم من المؤمنين من لا عذر له ، ثم عفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتاب الله عليهم كالثلاثة الذين خلفوا ، وسيأتي بيان ذلك .

وقيل إنما قال : { إلى طائفة } لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف ، وفي البيضاوي أن المتخلفين كانوا اثني عشر رجلا .

{ فاستأذنوك للخروج } معك في غزوة أخرى بعد عزوتك هذه { فقل } لهم إخراجا لهم عن ديوان الغزاة وإبعادا لمحلهم عن محفل صحبتك { لن تخرجوا معي أبدا } إلى غزوة ولا إلى سفر ، وهذا إخبار في معنى النهي للمبالغة { ولن تقاتلوا معي عدوا } أي قل لهم ذلك عقوبة لهم ولما في استصحابهم من المفاسد كما تقدم في قوله { لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا } .

{ إنكم رضيتم بالقعود } تعليل أي لن تخرجوا معي ولن تقاتلوا لأنكم رضيتم بالقعود والتخلف { أول مرة } وهي غزوة تبوك ، والفاء في { فاقعدوا مع الخالفين } لتفريع ما بعدها على ما قبلها ، والخالفين جمع خالف كأنهم اخلفوا الخارجين ، والمراد بهم من تخلف عن الخروج بعد القوم ، وقيل المعنى فاقعدوا مع الفاسدين ، من قولهم فلان خالف أهل بيته إذا كان فاسدا فيهم .

ومن ذلك خلف اللبن أي فسد بطول المكث في السقاء ، ذكر معناه الأصمعي وقرئ مع الخلفين ، قال الفراء : معناه المخالفين ، قيل المراد بهم النساء والصبيان والرجال العاجزون ، فلذلك جاز جمعه للتغليب .

وقال قتادة : الخالفون النساء وهو مردود لأجل الجمع ، قال ابن عباس : الخالفين هم الرجال الذين تخلفوا عن الغزو بغير عذر ، وفي الآية دليل على أن الرجل إذا ظهر منه مكروه وخداع وبدعة يجب الانقطاع عنه وترك مصاحبته .