نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٖ مِّنۡهُمۡ فَٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِلۡخُرُوجِ فَقُل لَّن تَخۡرُجُواْ مَعِيَ أَبَدٗا وَلَن تُقَٰتِلُواْ مَعِيَ عَدُوًّاۖ إِنَّكُمۡ رَضِيتُم بِٱلۡقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٖ فَٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡخَٰلِفِينَ} (83)

ولما كان المسرور بشيء الكاره لضده الناهي عنه لا يفعل الضد إلا تكلفاً ولا قلب له ، إليه وكان هذا الدين مبنياً{[36995]} على العزة والغنى ، أتبع ذلك بقوله مسبباً عن فرحهم بالتخلف : { فإن رجعك الله } أي الملك الذي له العظمة كلها فله الغنى المطلق عن سفرك هذا { إلى طائفة منهم } أي{[36996]} وهم الذين يمد الله في أعمارهم إلى أن ترجع إليهم ، وهذا يدل على أنه أهلك سبحانه في غيبته بعضهم ، فأردت الخروج إلى سفر آخر { فاستأذنوك } أي طلبوا أن تأذن{[36997]} لهم { للخروج } أي معك في سفرك ذلك{[36998]} { فقل } عقوبة لهم{[36999]} وغنى عنهم وعزة عليهم ناهياً لهم بصيغة الخبر ليكون صدقك فيه علماً من أعلام النبوة وبرهاناً من براهين الرسالة { لن تخرجوا معي أبداً } أي في سفر من الأسفار لأن الله قد أغناني عنكم وأحوجكم إليّ { ولن تقاتلوا{[37000]} معي عدواً } لأنكم جعلتم أنفسكم في عداد ربات الحجال ولا تصلحون لقتال ؛ والتقييد بالمعية كما يؤذن باستثقالهم يخرج ما كان بعده صلى الله عليه وسلم مع أصحابه{[37001]} رضي الله عنهم من سفرهم وقتالهم{[37002]} .

ولما أخزاهم سبحانه بما أخزوا به أنفسهم ، علله بقوله : { إنكم رضيتم بالقعود } أي عن التشرف بمصاحبتي ، ولما كانت الأوليات أدل على تمكن الغرائز من الإيمان والكفران وغيرهما قال : { أول مرة } أي في غزوة تبوك ، ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته ؛ قال أبو حيان{[37003]} : فعلل بالمسبب وهو الرضى الناشىء عن السبب وهو النفاق - انتهى .

ولما أنهى الحكم والعلة ، سبب عنه قوله : { فاقعدوا مع الخالفين* } أي الذين رضوا لأنفسهم بهذا الوصف الذي من جملة معانيه : الفاسد فهم لا يصلحون لجهاد ولا يلفون{[37004]} أبداً في مواطن الأمجاد ، وقال بعضهم : المراد بهم الذين تخلفوا بغير عذر في غزوة تبوك ، أو النساء والصبيان أو أدنياء الناس أو المخالفون أو المرضى والزمنى أو أهل الفساد ، والأولى الحمل على الجميع ، أي{[37005]} لأن المراد تبكيتهم وتوبيخهم ،


[36995]:في ظ: متينا.
[36996]:زيد من ظ.
[36997]:من ظ، وفي الأصل: يأذن.
[36998]:في ظ: هذا.
[36999]:سقط من ظ.
[37000]:من ظ والقرآن الكريم، وفي الأصل: لن يقاتلوا.
[37001]:زيد في ظ: في قتالهم.
[37002]:من ظ، وفي الأصل: قتا ـ كذا.
[37003]:راجع النهر من البحر المحيط 5/80.
[37004]:في ظ: يلتفتون.
[37005]:في ظ: أو.