التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

قوله : { فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نرك إلا بشرا مثلنا } الملأ الذين كفروا من قومه ، هم الكبراء والأشراف من قوم نوح الذين جحدوا نبوته وصدوا الناس عن الإيمان بدينه ، فقد قالوا : { وما نراك إلا بشرا مثلنا } أي لست إلا آدميا تشبه في خلقك وصورتك ؛ فقد كانوا ينكرون أن رسول الله للناس رسولا من البشر ، بل ظنوا أن الله لا يرسل إلا ملكا من الملائكة .

قوله : { وما نرك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي } أي ما نراك اتبعك إلا الذين هم أخساؤنا وسلفتنا من الناس الفقراء والمغلوبين ، ليس الكبراء والأشراف والأغنياء . { بادي الرأي } { بادي } ، تقرا بالهمز وغير الهمز . فبادئ بالهمز اسم فاعل من بدأ يبدأ ؛ أي أول الرأي .

وبادي بغير همز ، اسم فاعل من بدا يبدوا إذا ظهر ؛ أي ظاهر الرأي . وبادي منصوب على الظرف ، وأصله : وقت حدوث ظاهر رأيهم ، أو أول رأيهم{[2076]} .

والمعنى المقصود من قولهم لنوح عليه السلام : أن اتباعهم لك أمر قد عن لهم من غير رواية ولا تثبيت ولا نظر . ولو أنهم تفكروا ما اتبعوك . ذلك هو قول الجاحدين العتاة من الظالمين والمجرمين ؛ أولئك الذين مردوا على العناد والمكابرة والعصيان ؛ فلا تصيخ قلوبهم للحق الواضح المستبين ، ولا تستجيب أذهانهم للحجة الجلية المكشوفة التي جاء بها النبيون والمرسلون ؛ لقد جاءوا بالحجة الساطعة سطوع الشمس في وضح النهار المتجلي ، ومع ذلك فلا يستجيب الجاحدون الأشقياء ، ويأبون إلا العتو والاستنكاف والإدبار في خسة ولؤم ، أولئك هم الشاردون شرود الشياطين ، إذا ما ذكر الله .

أما المؤمنون المبرأون من معايب النفس المريضة ، الأسوياء في فطرهم وطبائعهم ؛ فإنهم ما لبثوا أن يبادروا بالإيمان والاستجابة والطاعة في غير ما التواء ولا إبطاء ولا تحمل . أولئك هم الأسوياء الكرام من البشر الذين سمت نفوسهم وطبائعهم فوق الأمراض والعقد والشذود فأوجفوا{[2077]} بأنفسهم سراعا لا ستلهام المعاني الخيرة العظيمة التي حملها غليهم النبيون والمرسلون .

قوله : { وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين } يخاطب المشركون الظالمون نبيهم نوحا والذين آمنوا معه ليقولون لهم في استكبار فاجر : ليس لكم علينا من فضل أو شرف تتميزون به علينا ؛ بل إنكم كاذبون فيما جئتمونا به . وهذا تكذيب منهم ظاهر لنبوة نوح وما جاءهم به من دين وتوحيد{[2078]} .


[2076]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 11.
[2077]:أوجفوا: أسرعوا، أوجف السائر: أسرع في سيره. انظر المعجم الوسيط جـ 2 ص 1014.
[2078]:فتح القدير جـ 2 ص 493 وتفسير النسفي جـ 2 ص 184 وتفسير البيضاوي ص 294.