فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

ثم ذكر ما أجاب به قومه عليه ، وهذا الجواب يتضمن الطعن منهم في نبوته من ثلاث جهات { فقال الملأ الذين كفروا من قومه } الملأ الأشراف كما تقدم غير مرة ، ووصفهم بالكفر ذما لهم وفيه دليل على أن بعض أشراف قومه لم يكونوا كفرة { ما نراك إلا بشرا مثلنا } هذه الجهة الأولى من جهات طعنهم في نبوته أي نحن وأنت مشتركون في البشرية فلم تكن لك علينا مزية تستحق به النبوة دوننا .

والجهة الثانية { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أي ولم يتبعك أحد من الأشراف فليس لك مزية علينا بإتباع هؤلاء الأرذال لك والأرذال جمع أرذل بضم الذال وأرذل جمع رذل بسكونها مثل أكالب وأكلب وكلب فهو جمع الجمع وقيل الأرذال جمع أرذل كالأساود جمع أسود وهم السفلة كالحاكة والأساكفة والأرذل الأدون من كل شيء فقال النحاس الأراذل الفقراء والذين لا حسب لهم والحسب الصناعات .

وقال الزجاج : نسبوهم إلى الحياكة ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة لأن الرفعة في الدين ومتابعة الرسل لا تكون بالشرف والمال والمناصب العلية بل للفقراء الخاملين وهم أتباع الرسل ولا تضرهم خسة صنائعهم إذا حسنت سيرتهم في الدين ، وهذه عادة الله في الأنبياء والأولياء أن أول من يتبعهم ضعفاء الناس لذلهم فلا يتكبرون عن الإتباع بمال ولا جاه .

وقال ثعلب عن ابن الأعرابي : السفلة هو الذي يصلح الدنيا بدينه قيل له فمن سفلة السفلة قال : الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه .

والظاهر من كلام أهل اللغة أن السفلة هو الذي يدخل في الحرف الدنية ، والرؤية في الموضعين إن كانت القلبية فبشرا في الأول وأتبعك في الثاني هما المفعول الثاني ، وإن كانت البصرية فهما منتصبان على الحال .

{ بادي الرأي } أي في ظاهر الرأي من غير تعمق يقال بدا يبدوا إذا ظهر قال الأزهري : معناه فيما يبدو لنا من الرأي ، وقيل أول الرأي قرئ بالهمز وتركه وهما سبعيتان ونصبه على الظرف أي وقت حدوث أول رأيهم .

والوجه الثالث من جهات قدحهم في نبوته { وما نرى لكم علينا من فضل } بالمال والشرف والجاه والرأي خاطبوه في الوجهين الأولين منفردا وفي هذا الوجه خاطبوه مع متبعيه ، ثم اضربوا عن الثلاثة المطاعن وانتقلوا إلى ظنهم المجرد عن البرهان الذي لا مستند له إلا مجرد العصبية والحسد واستبقاء ما هم فيه من الرياسة الدنيوية فقالوا { بل نظنكم كاذبين } فيما تدعونه ، ويجوز أن يكون هذا خطابا للأراذل وحدهم والأول أولى لأن الكلام مع نوح لا معهم إلا بطريق التبعية له .