مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

{ فَقَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ } يريد الأشراف لأنهم يملؤون القلوب هيبة والمجالس أبهة أو لأنهم ملئوا بالأحلام والآراء الصائبة { مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا } أرادوا أنه كان ينبغي أن يكون ملكاً أو ملكاً { وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا } أخساؤنا جمع الأرذل { بَادِىَ } وبالهمزة : أبو عمرو { الرأى } وبغير همز : أبو عمرو أي اتبعوك ظاهر الرأي ، أو أول الرأي من بدا يبدو إذا أظهر أو بدأ يبدأ إذا فعل الشيء أولاً ، وانتصابه على الظرف أصله وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أول رأيهم ، فحذف ذلك وأقيم المضاف إليه مقامه ، أرادوا أن اتباعهم لك شيء عنّ لهم بديهة من غير روية ونظر ولو تفكروا ما اتبعوك . وإنما استرذلوا المؤمنين لفقرهم وتأخرهم في الأسباب الدنيوية لأنهم كانوا جهالا ما كانوا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا ، فكان الأشرف عندهم من له جاه ومال كما ترى أكثر المتسمّين بالإسلام يعتقدون ذلك ويبنون عليه إكرامهم وإهانتهم ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحداً من الله وإنما يبعده ولا يرفعه بل يضعه { وَمَا نرى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ } في مال ورأي يعنون نوحاً وأتباعه { بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذبين } أي نوحاً في الدعوة ومتبعيه في الإجابة والتصديق يعني تواطأتم على الدعوة والإجابة تسبيباً للرياسة .