السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

ولما حكى تعالى عن نوح عليه السلام أنه دعا قومه إلى عبادة الله تعالى حكى عنهم أنهم طعنوا في نبوّته بثلاثة أنواع من الشبهات بقوله تعالى : { فقال الملأ الذين كفروا من قومه } وهم الأشراف { ما نراك إلا بشراً مثلنا } هذه الشبهة الأولى ، أي : أنك بشر مثلنا لا مزية لك علينا تخصك بالنبوّة ووجوب الطاعة ، وإنما قالوا هذه المقالة وتمسكوا بهذه الشبهة جهلاً منهم ؛ لأنّ الله تعالى إذا اصطفى عبداً من عباده وأكرمه بنبوّته ورسالته وجب على من أرسله إليهم اتباعه . الشبهة الثانية : ما ذكره الله تعالى عنهم بقوله تعالى : { وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا } أي : أسافلنا كالحاكة وأهل الصنائع الخسيسة ، وهو جمع أرذل بفتح الهمزة كقوله تعالى : { أكابر مجرميها } [ الأنعام ، 123 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : «أحاسنكم أخلاقاً » أو جمع أرذل بضم الذال جمع رذل بسكونها ، فهو على الأوّل جمع مفرد وعلى الثاني جمع جمع ، ثم قالوا : ولو كنت صادقاً لاتبعك الأكابر من الناس والأشراف منهم ، وإنما قالوا ذلك جهلاً منهم أيضاً ؛ لأنّ الرفعة بالدين واتباع الرسول لا بالمناصب العالية والمال { بادي الرأي } أي : اتبعوك في أوّل الرأي من غير تثبت وتفكر في أمرك ولو تفكروا ما اتبعوك . ونصبه على الظرف ، أي : وقت حدوث أوّل رأيهم . وقرأ أبو عمرو بادئ بهمزة مفتوحة بعد الدال والباقون بياء مفتوحة ، وأبدل السوسي همزة الرأي ألفاً وقفاً ووصلاً . وأمّا حمزة فأبدلها وقفاً لا وصلاً . الشبهة الثالثة : ما ذكره الله تعالى عنهم في قوله تعالى : { وما نرى لكم } أي : لك ولمن اتبعك { علينا من فضل } أي : بالمال والشرف والجاه تستحقون به الاتباع منا وهذا أيضاً جهل منهم ؛ لأنّ الفضيلة المعتبرة عند الله تعالى بالإيمان والطاعة لا بالشرف والرياسة . وقولهم : { بل نظنكم كاذبين } خطاب لنوح عليه السلام في دعوى الرّسالة وأدرجوا قومه معه في الخطاب . وقيل : خاطبوه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم . وقيل : كذبوه في دعوى النبوّة وكذبوا قومه في دعوى العلم بصدقه ، فغلب المخاطب على الغائبين . ولما ذكروا هذه الشبهة لنوح عليه السلام .