التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{أَفَمَنۡ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَٰهِرٖ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

قوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } الاستفهام للتوبيخ والتقريع ، على سبيل الاحتجاج على المشركين الضالين والإزراء عليهم والتسفيه لأحلامهم . وهو قوله : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } القائم هنا بمعنى المتولي والمدبر . فيكون معنى الآية : أفمن هو عالم بأحوال العباد وما يكسبونه من الأعمال وهو رقيب على قلوبهم وسلوكهم فلا يعزب عن عمله شيء ؟ والجواب محذوف وتقديره : كمن هو هالك بائد لا يحفظ ولا يعلم ولا ينفع .

قوله : { وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء } الجملة حالية . والشركاء ، الأصنام ، والتقدير : والحال أنهم جعلوا له شركاء ؛ فالله هو القائم بأرزاق هؤلاء المشركون ، المدبر أمورهم ، الرقيب على أفعالهم وقلوبهم وما يضمرون ، وقد جعلوا له شركاء مما خلق من الحجارة والأوثان .

قوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } يأمرهم بذكر أسماء أصنامهم التي يعبدونها وذلك على سبيل التهديد ، أو على سبيل التحقير والازدراء ؛ أي سموا هؤلاء الذين أشركتموهم في العبادة .

قوله : { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ } { أم } ، المنقطعة ، بمعنى بل وهمزة الاستفهام . أي بل أتنبئون الله بشركاء له في الأرض لا يعلمهم ، وهو العليم بما في السموات والأرض ؟ { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ } بل أتسمونهم شركاء لله بباطل من القول وكذب ، أو تسمونهم شركاء بظاهر من القول المسموع وهو في الحقيقة باطل لا صحة له .

قوله : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ } أي ليس ما يفتريه المشركون من اصطناع الأوثان إلا الكذب والظلم والباطل ؛ فإنه ليس لله شريك البتة . بل زين لهؤلاء الضالين { مكرهم } وهو كفرهم وإشراكهم ؛ فقد زين لهم الشيطان ذلك . سواء في ذلك شيطان الجن أو البشر ؛ فكلهم شياطين يزينون للناس الكفر ويحسنون لأذهانهم ونفوسهم فعل المنكرات والمعاصي ، وينفرونهم من عقيدة التوحيد وعبادة الله وطاعته والإذعان أوامره أشد تنفير .

قوله : { وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ } صدوا بضم الصاد ، على البناء للمفعول ؛ أي صدهم الله لفساد قلوبهم وسوء فطرتهم التي تنفر من الحق نفورا . تلك في الفطرة السقيمة التي لا تستجيب لنداء الرحمن ولا تتملى دعوة الحق والنور . أو صدهم الشيطان بمختلف أساليبه ووسائله وأسبابه . وتقرأ بالفتح على البناء للمعلوم ؛ أي أن المشركين الضالين المضلين قد صدوا الناس عن دين الله وحالوا بينهم وبين عقيدة التوحيد ومنهج الله بأساليب شتى من الإغراء والإغواء والتضليل ، أو الترهيب والإكراه والقسر .

قوله : { وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } يعني من أضله الله عن إصابة الحق بخذلانه إياه ؛ فليس من أحد بعده يهديه لإصابة الحق . قال الزمخشري في تأويل ذلك : من يخذله الله لعلمه أنه لا يهتدي فماله من احد يقدر على هدايته{[2356]} .


[2356]:الكشاف جـ 2 ص 362 وتفسير النسفي جـ 2 ص 251 وفتح القدير جـ 3 ص 85.