تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَمَنۡ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۗ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ قُلۡ سَمُّوهُمۡۚ أَمۡ تُنَبِّـُٔونَهُۥ بِمَا لَا يَعۡلَمُ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَم بِظَٰهِرٖ مِّنَ ٱلۡقَوۡلِۗ بَلۡ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكۡرُهُمۡ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٖ} (33)

وقوله تعالى : ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) قال أبو بكر الأصم : يقول : من الذي ( هو قائم على كل نفس بما كسبت ) ؟ الله أم شركاؤكم ؟ فالقائم هو المدبر الحافظ لكل ما فيه الخلق .

ويشبه أن يكون تأويله : ( أفمن هو قائم ) أي حافظ وعالم ( على كل نفس بما كسبت ) أو بالرزق لهم والدفع عنهم كمن هو أعمى عن ذلك من ذلك ؟ ليسا بسواء كقوله : ( أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق ) الآية[ الآية : 19 ] أو يقول : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) كمن هو غيره قائم عليه ؟ ليسا بسواء .

وقال مقاتل : ( أفمن هو قائم ) [ على ][ ساقطة من الأصل وم ] رزقهم وطعامهم ، ثم قال : ( وجعلوا لله شركاء ) أي وضعوا لله شركاء ، وعبدوها ، والله أحق أن يعبد من غيره . يقول الله عز وجل : أنا القائم على كل نفس أرزقهم ، وأطعمهم ، أفأكون أنا وشركائي الذين لا يعقلون ذلك سواء ؟ والوجه فيه ما وصفنا : أفمن هذا ؟ ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) أي يرزق ، ويبصر ، ويعلم[ في الأصل وم : ويعمل ] ما تعمل ، ويكتب ، [ ويحفظ ][ ساقطة من الأصل وم ] من أنواع البلايا ( كمن هو أعمى )[ الأية : 19 ] جاهل عاجز عن ذلك كله ، أي ليس هذا كذلك ، ويسفههم في إشراكهم الأصنام التي عبدوها في الألوهية والعبادة ، وهي بالوصف الذي ذكر ( كمن هو أعمى ) عاجز عن ذلك ، أي ليسا بسواء .

وقوله تعالى : ( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) يحتمل ( قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) في ما قدر لها ، وقواها ، أو في الجزاء ؛ يجري على ما تكسب ( وجعلوا لله شركاء ) في العبادة وفي تسميتهم آلهة ، لا يعلمون ما كسب لها ، ولا يملكون جزاء ما كسبوا لها أيضا .

يبين سفههم في جعلهم هذه الأصنام والأوثان شركاء الله في العبادة وتسميتهم آلهة مع علمهم أنهم لا يقدرون ، ولا يملكون شيئا من ذلك .

وقوله تعالى : ( قل سموهم ) قال بعض أهل التأويل : قوله : ( قل سموهم ) بذلك الاسم ، ولو سموهم بكذب وباطل وزور .

وعندنا قوله : ( قل سموهم ) أي إن[ في الأصل وم : لو ] سميتموها آلهة ، واتخذتموها [ معبودات فسموها ][ في الأصل وم : معبودا فسموهم ] أيضا بأسماء سميتموها[ في الأصل : سميتم ] الله من نحو الخالق والرزاق والرحمن والرحيم [ ونحو ذلك ، يقول ][ في الأصل وم : ونحوه ] والله أعلم : إن[ في الأصل وم : لو ] سميتم هذه الأصنام آلهة [ ومعبودات فسموها ][ في الأصل وم : ومعبودا سموهم ] أيضا خالقا ورازقا ورحمان ورحيما ، [ وأنتم تعلمون ][ في الأصل وم : وهم يعلمون ] أنها ليست كذلك ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ ) [ ويحتمل وجهين :

أحدهما ][ ساقطة من الأصل وم ] أي أم تنبئون الله ، وهو عالم بما في السماوات وما في الأرض ، وعالم بكل شيء ، أنه[ في الأصل وم : وهو ] لا يعلم في الأرض ما[ في م : مما ] تقولون من الآلهة وما تصفون بالشركاء ؟ وكذلك يخرج قوله : ( قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض )[ يونس : 18 ] أم تنبئونه بما ليس في الأرض شيء مما تقولون ، وتصفونه بالشركاء[ في الأصل وم : شيء ] ؟ أي يقول : أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات والأرض ، وهو عالم بكل شيء ، وأنه[ في الأصل وم : وهو ] لا يعلم ما تقولون ، وتسمونه من الشركاء [ وغير ذلك ][ في الأصل وم : وغيره ] .

والثاني : ( أم تنبئونه لما لا يعلم في الأرض ) أي ليس في الأرض .

وقوله تعالى : ( أم بظاهر من القول ) قال أهل التأويل : ( أم بظاهر من القول ) أي بل بباطل من القول وزور . ويشبه أن يكون : ( أم بظاهر من القول ) بضعيف[ أدرج قبلها في الأصل وم : أي ] من القول أو خفيف . يسمون الشيء الذي لا حقيقة له ، ولا ثبوت[ في الأصل وم : ثابت ] ، ظاهرا باديا كقوله : ( إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي )[ هود : 27 ] أي ضعيف الرأي خفيفه ، لا حقيقة له ، ولا قرار .

ويحتمل قوله : ( أم بظاهر من القول ) في الخلق والأسلاف ، أي لم يظهر ما يقولون ، ويضيفون : إشراك هذه الأصنام وتسميتها آلهة ومعبودات[ في الأصل وم : معبودا ] ، فيكون ( بل زين للذين كفروا مكرهم ) في موضع حقيقة ويقين على هذا التأويل ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( بل زين للذين كفروا مكرهم ) قال بعض أهل التأويل : ( مكرهم ) قولهم الذي قالوه من الكذب والزور : إنها آلهة ، وإنها شركاء الله .

لكن يشبه أن يكون قوله : ( مكرهم ) مكرهم[ أدرج قبلها في الأصل وم : أي ] برسول الله صلى الله عليه وسلم حين[ في الأصل وم : حيث ] احتالوا حيلا /265-ب/ ليقتلوه لئلا يظهر هذا الدين في الأرض ، ويطفئوا[ في الأصل وم : ويطفئون ] هذا النور ليدوم عزهم وشرفهم في هذه الدنيا ، وهو كقوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا )[ الأنفال : 30 ] والمكر هو الاحتيال والأخذ من حيث الأمن ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( وصدوا عن السبيل ) صدوا بما[ في الأصل وم : لما ] بما علم من مكرهم واختيارهم ما اختاروا . والسبيل المطلق سبيل الله ، وإلا كانت جميع الأديان والمذاهب تسمى سبلا كقوله : ( ولا تتبعوا السبل )[ الأنعام : 153 ] .

وقوله تعالى : ( ومن يضلل الله فما له من هاد ) من أضله الله فلا يملك أحد هدايته ، [ ومن ][ في الأصل وم : أو ] هداه فلا يملك أحد إضلاله .