التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَتَحۡسَبُهُمۡ أَيۡقَاظٗا وَهُمۡ رُقُودٞۚ وَنُقَلِّبُهُمۡ ذَاتَ ٱلۡيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِۖ وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ لَوِ ٱطَّلَعۡتَ عَلَيۡهِمۡ لَوَلَّيۡتَ مِنۡهُمۡ فِرَارٗا وَلَمُلِئۡتَ مِنۡهُمۡ رُعۡبٗا} (18)

قوله تعالى : { وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا } الأيقاظ جمع يقظ ويقظان وهو المتنبه . و ( رقود ) ، يعني نيام ، جمع راقد والمخاطب بهذه الآية كل أحد ؛ أي أن الناظر إلى هؤلاء الفتية يحسب أنهم يقظون غير نيام ؛ لأن عيونهم غير منطبقة بل مفتوحة لكي يمسها الهواء فلا تبلى ، وهم في الحقيقة نيام ؛ إذ يقلّبهم الله مرة للجنب الأيمن ، ومرة للجنب الأيسر ؛ لأنهم إذا لم يقلبوا تقليبا مستمرا لسوف تأكلهم الأرض أو يأتي عليهم البلى .

قوله : ( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ) ( ذراعيه ) ، منصوب ؛ لأنه مفعول لاسم الفاعل ( باسط ) . والوصيد ، معناه الفناء{[2786]} ؛ فقد كان كلبهم يربض بفناء الكهف باسطا ذراعيه كعادة الكلاب راقدا مثلهم طيلة هذه السنين . على أن هذا المذكور في الآية كلب على الحقيقة ، وليس المجاز . وقد صحبهم في الخروج والمسير حتى بلغوا الكهف ، وهو مستأنس بهم ، متودد إليهم ، فنالته البركة بفضل هذه الصحبة الكريمة لأناس أطهار كرام . حتى بات يُذكر على ألسنة المؤمنين على مر الزمان . وحسبه تكريما وبركة أن يأتي ذكره في القرآن في معرض الثناء والاحترام .

أما الكلاب عموما فقد نهى الشرع عن اقتنائها لما فيها من نجاسة ، وبسبب إيذائها للناس بنباحها وعقرها . على أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب أو صورة أو جنب . ويستثنى من الكلاب ما كان للصيد أو الحراسة فلا بأس في اقتنائه .

قوله : ( لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا ) ( فرارا ) ، منصوب على المصدر . و ( رعبا ) ، منصوب على التمييز ، أو على أنه مفعول ثان ؛ فقد ألقى الله المهابة على أصحاب الكهف وهم رقود . مفتحة عيونهم . فلو نظر إليهم أحد لأدبر هاربا مذعورا ولا متلأ قلبه فزعا ، ولغشيه من الخوف ما يغشى المذعورين الوجلين لهول المنظر الرعيب . وقد ألبسهم الله هذه المهابة كيلا يدنوا منهم أحد ولا تلمسهم يد لامس ؛ فهم على حالهم هذه حتى يقضي الله فيهم ما يشاء ، ليكون للناس فيهم آية وعبرة ، وليعلموا أن الله قادر على فعل ما يشاء ؛ سواء في ذلك ما انسجم مع الطبيعة في قوانينها الأساسية ، أو ما كان خارقا لقوانين الطبيعة ونواميسها كالذي حصل لأصحاب الكهف الذين ظلوا رقودا سنين طوالا{[2787]} .


[2786]:- مختار الصحاح ص 724.
[2787]:- تفسير الطبري جـ15 ص 141، 142 وتفسير القرطبي جـ10 ص 369 – 373.