التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌۖ أُجِيبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لِي وَلۡيُؤۡمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمۡ يَرۡشُدُونَ} (186)

قوله تعالى : ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) جاء في سبب نزول هذه الآية أن أعرابيا قال : يا رسول الله ( ص ) أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ فسكت النبي ( ص ) فأنزل الله ( وإذا سألك عبادي عني ) .

وقيل سأل أصحاب النبي ( ص ) : أين ربنا ؟ فأنزل الله الآية .

وقيل انه لما نزلت ( وقال ربكم ادعوني أستجيب لكم ) قال الناس : لو نعلم أي ساعة ندعو ؟ فنزلت ( وإذا سألك عبادي عني ) {[242]} .

وروى الإمام أحمد بإسناده عن سلمان الفارسي رضي الله عنه عن النبي ( ص ) أنه قال : " إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يده يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبتين " .

وأخرج أحمد عن أبي سعيد أن النبي ( ص ) قال : " ما من مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إما أن يعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها " قالوا : إذا نكثر ، قال : " الله أكثر " .

وروى الإمام مالك بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله ( ص ) قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول دعوت فلم يُستجب لي " .

وأخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي ( ص ) أنه قال : " لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع باثم أو قطيعة رحم ، وما لم يستعجل " قيل : يا رسول الله ! وما الاستعجال ، قال : : يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجاب لي فيستحسر عنه ذلك ويدع الدعاء " .

ويستجيب الله للعبد إذ دعاه في غير إثم ولا معصية ، على أن يكون الداعي حاضر الذهن والقلب وأن يكون موقنا بالإجابة . فلا يجدي الدعاء عن ظهر قلب غافل أو كان الداعي مرتابا غير موقن بأن دعاءه مستجاب . وفي يقول الرسول ( ص ) فيما رواه عنه عبد بن عمرو : " القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض ، فإذا سألتم الله أيها الناس فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة ، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل " .

ومن الساعات الكريمة التي تتعاظم فيها أجور الأعمال ويزداد فيها العاملون من الله قربة ، ساعات الصيام في شهر رمضان المبارك ، ولعل أروع الظواهر وأهمها في هذا الشهر المفضل أن يستجيب الله فيه الدعاء ، وبذلك فإن على المؤمن أن يحرص على الدعاء أثناء الصيام دون ملل ؛ وذلك لأمرين .

أولهما : أن مجرد الدعاء إلى الله في خشوع وتذلل لهو عبادة عظيمة يكتب فيها الله الأجر للداعي .

وفي أهمية الدعاء وفضله يقول النبي ( ص ) : " الدعاء مخ العبادة " {[243]} .

ثانيهما : أن الدعاء في شهر الصيام مستجاب على أن يكون الداعي مستكملا أسباب التقبل من خشوع وطمأنينة وتذلل ويقين بالاستجابة .

وقد أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله ( ص ) يقول : " للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة " فكان عبد الله بن عمرو إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا .

وفي حديث آخر رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمرو أيضا عن النبي ( ص ) قال : " إن الصائم عند فطره دعوة ما ترد " .

وفي رواية لأحمد في مسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : " ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل ، والصائم حتى يفطر ، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة وتفتح لها أبواب السماء ويقول : بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين " .

وقوله : ( فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) وجاء في تأويل قوله تعالى : ( فليستجيبوا ) أن السين والتاء زائدتان ، واللام لام الأمر . أي فليجيبوا دعوتي إليهم بالطاعة والامتثال ، وليكونوا مؤمنين بي إلها خالقا فردا أحدا صمدا . وفي ذلك ما يسلك بهم سبيل الرشاد ويباعد بينهم وبين الغي والضلال والباطل . وقيل : معناه : فليستجيبوا لي بالطاعة يقال : استجبت له واستجبته بمعنى أجبته . وقيل : فليطيعوا لي . فالاستجابة بمعنى الطاعة . وقيل : فليدعوني{[244]} .


[242]:- تفسير الطبري جـ 2 ص 92.
[243]:رواه الترمذي عن أنس.
[244]:- تفسير الطبري جـ 2 ص 93 وتفسير القرطبي جـ 2 ص 313.