قوله تعالى : ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) الخداع معناه الإظهار بغير ما يخفى وإلحاق الأذى والمكروه بالمخدوع{[846]} . والمراد أن المنافقين يتوهمون رواج أمرهم عند الله مثلما راج عند البشر . والمسلمون إنما يقاضون المنافقين بحسب الظاهر من سلوكهم وليس لهم في ذلك أن ينقبوا عن قلوبهم ونواياهم فإن ذلك متروك إلى الله . ولئن راج أمر المنافقين في الدنيا وخفي شأنهم على الناس بتدسيسهم وتلصصهم وأساليبهم في الخداع والمراوغة ، فإن ذلك لا يخفى على الله وهو العالم بالأسرار المطلع على الخبايا . وقوله : ( وهو خادعهم ) أي مجازيهم على سوء نواياهم وفساد أعمالهم وخداعهم المسلمين ومن ذلك أن يستدرجهم الله من حيث لا يعلمون إلى حيث هلاكهم في مقابل اعتقادهم أنهم قادرون على خداع الله .
وقوله : ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ) هذه حال المنافقين إذ قاموا إلى الصلاة ، فإنهم لا يقومون إلا في تثاقل وتقاعس وكسل . وهم لا يحفزهم إلى ذلك شيء من رغبة أو يقين إلا المراءاة طلبا لمرضاة الناس أو تخلصا من جزاء يفرض عليهم لتقصيرهم وتخلفهم عن أداء واجب من الواجبات . والرياء هو التظاهر بالسلوك الحسن ليراه الناس من غير إخلاص لله أو ابتغاء لرضوانه ، وهو صورة من صور الشرك بل هو الشرك الأصغر . وفي الحديث الشريف " اليسير من الرياء شرك " .
والصلاة هي عماد الدين وركيزته الأولى وأشرف ما في الإسلام من أعمال لكنها تستلزم همة ونشاطا كبيرين . وبذلك فإنه كثيرا ما يتخلف عنها المنافقون لافتقاد ما يحفزهم إليها أو يرغبهم فيها ، وهم لا يأتونها إلا راغمين كسالى ولا يؤدونها إلا وهم فارغة أرواحهم وقلوبهم من أي معنى أو خشوع ، وأكثر ما يتخلفون عن صلاة العشاء والفجر ، وهم ينتشر فيهما الظلام فلا يراهم الناس . وفي ذلك يقول النبي ( ص ) كما ثبت في الصحيحين : " أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ، ثم آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم انطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار " .
وقوله : ( ولا يذكرون الله إلا قليلا ) المنافقون تخلو قلوبهم من الإيمان فهم صنف من البشر الخبيث الفاسد الذي يخفي في نفسه الكفر ويتراءى للناس في مظهر أو سمت حسن . وهم في حقيقتهم جاحدون منكرون ولا يحملون لله في نفوسهم أي وقار أو خشية أو ذكر إلا بقدر ما يتظاهرون به أمام الناس أنهم مسلمون . وهم إذا ما ذكروا الله فلا يذكرونه عن خشية وخشوع وإنما يذكرونه على مرأى من الناس ليرضوا عنهم وبذلك يكون ذكرهم لله قليلا حسبما تقتضيه طبيعة النفاق من آن لآخر . وقيل في تأويل ذلك : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا زمانا قليلا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.