التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (27)

قوله : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة } . { يفتننكم } ، من الفتن والفتون ، بمعنى الإضلال والاستماله نحو الباطل{[1365]} والكاف في قوله { كما } نعت لمصدر محذوف ، والتقدير : لا يفتننكم مثل إخراج أبويكم من الجنة . والله عز وعلا يحذر بني آدم فتنة الشيطان لهم مثلما فتن أبويهم من قبل ، بالأكل من الشجرة فأخرجا بذلك من الجنة . يحذرهم غواية الشيطان وتغريره بهم وإزلاقهم ناحية الشهوات والمحظورات والمعاصي . ودأب الشيطان أنه مستديم التحيل والخداع بكل أساليب الإغراء والإغواء ، وبكل أسباب المكر والفتنة ؛ ليحرف الناس عن دين الحق إلى ملل الباطل .

وذلك هو دأب الشياطين من البشر في حرصهم البالغ وتمالؤهم بالليل والنهار على الإسلام ؛ ليستأصلوه استئصالا ، وعلى المسلمين ؛ ليقضوا عليهم قضاء ، أو ليذروهم ضعافا مضطرين أشتاتا لا يربطهم بحقيقة الإسلام غير الاسم الخاوي من كل معاني الإسلام وقيمه ومضامينه .

قوله : { ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما } ينزع ، جملة فعلية في موضع نصب على الحال من ضمير أخرج{[1366]} وتقدير ذلك : أخرج أبويكم من الجنة نازعا عنهما لباسهما لكي تظهر عوراتهما فيرياها . وغرض الشيطان في رؤية آدم وحواء عوراتهما هو أن يغتما ؛ لأنه يسوءهما أن تظهر سوءاتهما لغيرهما كما بدت لهما ، وهذه صفة أهل المروءة ؛ إذ يترفعون عن رؤية سوءات أنفسهم أو أن يراها غيرهم . أما ثيابهما التي كانت عليهما قبل العصيان فقد كانت نورا . وقيل : من ثياب الجنة .

قوله : { إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم } المراد بالضمير ، الشيطان . والقبيل ، معناه الجماعة من الثلاثة فصاعدا . وجمعه قبل ، بالضم{[1367]} والمراد بهم هنا أعوان الشيطان وجنوده . وحيث ، مبينة على الضم ؛ لأنها مقطوعة عن الإضافة إلى المفرد ؛ إذ لا يجوز إضافتها إلا إلى الجمل ، فأنزلت منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبني . وقيل : مبني على الضم ؛ لأنه أشبه الحرف ، والحرف يكون مبينا ، فكذا شبيهه مبني{[1368]} .

هذه مبالغة هامة في تحذير العباد من خبث الشياطين ومكرهم ؛ لأنهم يرون العباد من حيث لا يراهم العباد . لا جرم إذن أن يكون الشياطين بصفتهم هذه ، أشد اقتدار على الخداع والإغواء والإضلال ، فكيدهم بذلك عظيم وبالغ . وذلك كشأن الذي يرى خصمه من حيث لا يراه خصمه ، لا جرم أن الرائي منهما صاحبه أقدر على إيذائه والإيقاع به . ولو كان الآخر يراه لأخذ لنفسه الحسبان والحيطة فكان الإيقاع به أهون وأخف .

وعلى هذا كان حقا على العباد أن يحذروا الشيطان فيتخذوا لمجانبته وعدم الافتتان به كل أسباب الحيطة والحذر .

قوله : { إنا جعلنا الشيطان أولياء للذين لا يؤمنون } أولياء ، أي قرناء أو أعوان ؛ فقد سلط الله الشياطين على أعوانهم من غير المؤمنين ؛ ليضلوهم ضلالا مبينا . قال الزمخشري في تأويل ذلك : خلينا بينهم وبينهم ، فلم نكفهم عنهم حتى تولوهم وأطاعوهم فيما سولوا لهم من الكفر والمعاصي{[1369]} .


[1365]:القامويس المحيط جـ 4 ص 256 والمصابح المنير جـ 2 ص 115.
[1366]:البيان لابن الأنباري جـ 1 ص 358.
[1367]:مختار الصحاح ص 520.
[1368]:البيان لابن اتلنباري جـ 1 ص 359.
[1369]:تفسير البحر المحيط جـ 4 ص 281- 284 وفتح القدير جـ 2 ص 197 وتفسير البغوي جـ 2 ص 154، 155 والتبيان للطبري جـ 4 ص 376- 382.