إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (27)

{ يا بني آدم } تكريرُ النداءِ للإيذان بكمال الاعتناءِ بمضمون ما صدر به ، وإيرادُهم بهذا العنوان مما لا يخفي سببُه { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان } أي لا يوقِعنّكم في الفتنة والمحنة بأن يمنعَكم من دخول الجنة { كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم منَ الجنة } نعتٌ لمصدر محذوفٍ أي لا يفتِننّكم فتنةً مثلَ إخراجِ أبويكم ، وقد جُوّز أن يكون التقديرُ لا يُخرِجَنكم بفتنته إخراجاً مثلَ إخراجِه لأبويكم ، والنهيُ وإن كان متوجهاً إلى الشيطان لكنه في الحقيقة متوجِّهٌ إلى المخاطبين كما في قولك : لا أُرَينّك هاهنا ، وقد مر تحقيقُه مراراً { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتهما } حال من أبويكم أو من فاعل أخرج ، وإسنادُ النزعِ إليه للتسبيب ، وصيغةُ المضارعِ لاستحضار الصورة ، وقوله تعالى : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } أي جنودُه وذريتُه استئنافٌ لتعليل النهي وتأكيدِ التحذيرِ لا منه { مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ } ( من ) لابتداء غايةِ الرؤيةِ ، وحيث ظرفٌ لمكان انتفاءِ الرؤية ولا ترَوْنهم في محل الجرِّ بإضافة الظرفِ إليه ، ورؤيتُهم لنا من حيث لا نراهم لا تقتضي امتناعَ رؤيتِنا لهم مطلقاً واستحالةَ تمثّلِهم لنا . { إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين } جُعل قبيلُه من جملته فجُمع { أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } أي جعلناهم بما أوجدنا بينهم من المناسبة أو بإرسالهم عليهم وتمكينِهم من إغوائهم وحملِهم على ما سوّلوا لهم أولياءَ أي قُرناءَ مسلّطين عليهم ، والجملة تعليلٌ آخرُ للنهي وتأكيدٌ للتحذير إثرَ تحذير .