الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (27)

قوله عز وجل : { يا بني آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشيطان كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الجنة }[ الأعراف :27 ] .

خطاب لجميع العالم ، والمقصود بها في ذلك الوَقْتِ مَنْ كان يطوف من العَرَبِ بالبيتِ عُرْيَاناً .

قيل : كانت العَرَبُ تَطُوفُ عُرَاةً إِلا الحُمْس ، وهم قريش ، ومن وَالاَهَا ، وهذا هو الصحيح ، ثم نودي ب «مكة » في سنة تسع : لا يحجّ بعد العام مُشْرِكٌ ، ولا يطوف بالبيت عريان ، والفتنة في هذه الآية الاسْتِهْوَاءُ ، والغَلَبَةُ على النفس ، وأضاف الإِخْرَاجَ في هذه الآية إلى إبليس تجوُّزاً لما كان هو السَّبَب في ذلك .

قال أبو حيان : { كَمَا أَخْرَجَ } «كما » في موضع نَصْبٍ ، أي : فتنة ، مثل فتنة إِخْرَاجِ أبويكم ، انتهى .

وقوله سبحانه : { إِنَّهُ يَرَاكُمْ . . . } زيادة في التحذير ، وإعلام بأن اللَّه عز وجل قد مَكَّنَ إبليس من بَني آدَمَ في هذا القدر ، وبحسب ذلك يَجِبُ أن يكون التَّحَرُّزُ بِطَاعَةِ اللَّه عز وجل ، وقَبِيلُ الشيطانُ يُرِيدُ نوعه ، وصنفه ، وذريته ، والشيطان مَوْجُودٌ ، وهو جسم .

قال النووي : وروينا في كتاب ابن السّني عن أَنَسٍ قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ( ستر ما بين أَعْيُنِ الجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ إِذَا أَراد أن يطرح ثِيَابَهُ : بسم اللَّه الذي لا إله إِلاَّ هُوَ ) انتهى .

وعن علي رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ستر ما بين الجنِّ وعَوْرَاتِ بني آدَمَ إِذا دَخَلُوا الكُنُفَ أَن يقولوا : بسم اللَّه ) رواه الترمذي ، وقال : إسناده ليس بالقَوِيِّ .

قال النووي : قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويُسْتَحَبُّ العَمَلُ في الفَضَائِلِ ، والترغيب ، والترهيب بالحديث الضعيف ما لم يكن موضوعاً ، وأما الأحكام كالحَلاَلِ ، والحرام ، والبيع ، والنكاح ، والطلاق ، وغير ذلك فلا يُعْمَلُ فيها إلا بالحديث الصحيح ، أو الحسن ، إلا أن يكون في احْتِيَاطٍ في شيء من ذلك ، كما إذا ورد حديث ضعيف بكَرَاهِةِ بعض البيوع ، أو الأنكحة ، فإن المستحبَّ أن يتنزَّه عنه ، ولكن لا يَجِبُ انتهى .

ونحوه لأبي عمر بن عبد البر في كتاب «فضل العلم » .

ثم أخبر عز وجل أنه صَيَّرَ الشياطين أولياء ، أي : صحابة ، ومتداخلين للكفرة الذين لا إيمان لهم .