غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ لَا يَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ كَمَآ أَخۡرَجَ أَبَوَيۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ يَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوۡءَٰتِهِمَآۚ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنۡ حَيۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّيَٰطِينَ أَوۡلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ} (27)

26

ثم حذر أولاد آدم من قبول وسوسة الشيطان لأن المقصود من قصص الأنبياء عليهم السلام أن تكون عبرة لمن يسمعها فقال : { يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان } الفتنة الامتحان ، تقول : فتنت الذهب إذا أدخلته النار لتنظر ما جودته . وقال الخليل : الفتن الإحراق . وورق فتين أي فضة محرقة ، قال الله تعالى : { يوم هم على النار يفتنون }

[ الذاريات : 13 ] من قدر على إخراج الأب من الجنة مع كمال قوته وقرب عهده من فيضان ربه فهو على منع أولاده عن أن يدخلوا الجنة أقدر . ومحل { كما أخرج } نصب على المصدر أي فتنة مثل إخراج أبويكم لأن هذا الإخراج نوع من الفتنة . ومحل { ينزع عنهما لباسهما } حال أي أخرجهما نازعا لباسهما بأن كان سبباً في أن نزع عنهما . واللام في { ليريهما سوآتهما } لام العاقبة أو لام الغرض كما تقدم في قوله : { ليبدي لهما } [ الأعراف : 20 ] قال ابن عباس : يرى آدم سوأة حواء وترى حواء سوأة آدم وكانا لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر . وعن عائشة رضي الله عنها ما رأيت منه ولا رأى مني . وحمله العلماء على الكراهية لا على التحريم . واختلفوا في اللباس الذي نزع عنهما فقيل : الثوب الحائل بينهما وبين النظر . وعن سعيد بن جبير : كان لباسهما من جنس الأظفار . وقيل : اللباس الذي هو ثياب الجنة ، قال الكعبي : في الآية دلالة على أن المعاصي والفتن كلها منسوبة إلى الشيطان . وأجيب بأنه لا بد من الانتهاء إلى خالق الكل وموجد القدر والدواعي . ثم علل النهي وأكد التحذير بقوله : { إنه يراكم هو وقبيله } أي جماعته من الثلاثة فصاعداً . والقبيل بنو أب واحد . وقال ابن قتيبة : أي أصحابه وجنده . وقال الليث : هو وقبيله أي وجماعته . { من حيث لا ترونهم } أي يكيدون ويغتالون من حيث لا تشعرون . قال بعض المتكلمين ومنهم المعتزلة : الوجه في أن الإنس لا يرون الجن رقة أجسام الجن ولطافتها ، والوجه في رؤية الجن الإنس كثافة أجسام الإنس ، والوجه في رؤية الجن بعضهم بعضاً أن الله تعالى يقوي شعاع أبصار الجن ويزيد فيه ولو زاد الله في قوة أبصارنا لرأيناهم كما يرى بعضنا بعضاً ، ولو أنه تعالى كثف أجسامهم وبقيت أبصارنا على هذه الحالة لرأيناهم . وقال أهل السنة : إنهم يرون الإنسان لأنه تعالى خلق في عيونهم إدراكاً ، والإنس لا يرونهم لأنه تعالى لم يخلق هذا الإدراك في عيون الإنس . قال بعض العلماء : { من حيث لا ترونهم } يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص ففيه دليل على أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس ، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وأن زعم من يدعي رؤيتهم فزور ومخرقة . ولو قدر الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤوا لارتفع الوثوق عن الناس حتى الزوجة والولد ، ولو كانوا قادرين على تخبيط الناس ، وإزالة العقل عنهم لكان أولى الناس بذلك العلماء والمشايخ لأن العداوة بينهم وبين خواص الإنس أشد . وعن مجاهد قال إبليس : أعطينا أربع خصال : نرى ولا نرى ونخرج من تحت الثرى ويعود شيخنا فتى . وعن مالك بن دينار أن عدوّاً يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا من عصمه الله . والضمير في { إنه } للشأن وهو تأكيد ليصح العطف على المرفوع المتصل ، ثم قال { إنا جعلنا الشياطين } الآية . واحتج أهل السنة على أنه تعالى هو الذي سلط الشيطان عليهم حتى أضلهم وأغواهم ويتأكد هذا النص بقوله : { إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزاً } [ مريم : 83 ] اعتذر القاضي بأن المراد من الجعل الحكم بأن الشيطان ولي لمن لا يؤمن أو المراد التخلية بينهم وبينهم كمن يربط الكلب في داره ولا يمنعه من التوثب على الداخل وأجيب بأن حمل الجعل على الحكم خلاف الظاهر ، وهب أنه حكم بذلك فهل يمكن مخالفة حكم الله ؟ وبأن الإرسال إنما يصدق على التسليط لا على التخلية المجردة .

/خ34