عطف على { ولا يحسبن الذين كفروا } ، لأنّ الظاهر أنّ هذا أنزل في شأن أحوال المنافقين ، فإنّهم كانوا يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ، كما حكى الله عنهم في سورة النساء ( 37 ) بقوله : { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل } وكانوا يقولون : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتّى ينفضُّوا ، وغير ذلك ، ولا يجوز بحال أن يكون نازلاً في شأن بعض المسلمين لأنّ المسلمين يومئذ مبرّؤون من هذا الفعل ومن هذا الحسبان ، ولذلك قال معظم المفسّرين : إنّ الآية نزلت في منع الزكاة ، أي فيمن منعوا الزكاة ، وهل يمنعها يومئذ إلاّ منافق . ولعلّ مناسبة ذكر نزول هذه الآية هنا أنّ بعضهم منع النفقة في سبيل الله في غزوة أُحُد . ومعنى حسبانه خيراً أنّهم حسبوا أن قد استبقوا مالهم وتنصّلوا عن دفعه بمعاذير قُبلت منهم .
أمّا شمولها لِمنع الزكاة ، فإن لم يكن بعموم صلة الموصول إن كان الموصول للعهد لا للجنس ، فبدلالة فحوى الخطاب .
وقرأ الجمهور : ولا يحسبنّ الذين يبخلون } بياء الغيبة ، وقرأه حمزة بتاء الخطاب كما تقدّم في نظيره . وقرأ الجمهور : تحسِبنّ بكسر السين ، وقرأه ابن عامر ، وحمزة ، وعاصم بفتح السين .
وقوله : { هو خيراً لهم } قال الزمخشري ( هو ) ضمير فصْل ، وقد يبنى كلامه على أنّ ضمير الفصل لا يختصّ بالوقوع مع الأفعال التي تطلب اسماً وخبراً ، ونقل الطيبي عن الزجاج أنّه قال : زعم سيبويه أنّه إنّما يكون فصلاً مع المبتدأ والخبر ، يعني فلا يصحّ أن يكون هُنا ضمير فصل ولذلك حكى أبو البقاء فيه وجهين : أحدهما أن يكون ( هو ) ضميراً واقعاً موقع المفعول الأوّل على أنه من إنابة ضمير الرفع عن ضمير النصب ، ولعلّ الذي حسنّه أنّ المعاد غير مذكور فلا يهتدي إليه بضمير النصب ، بخلاف ضمير الرفع لأنّه كالعمدة في الكلام ، وعلى كلّ تقدير فالضمير عائد على البخل المستفاد من { يبخلون } ، مثل { اعدلوا هو أقرب للتقوى } [ المائدة : 8 ] ، ومثل قوله :
إذَا نُهِي السفيهُ جَرى إليه *** وخَالف والسفيهُ إلى خلاف
ثم إذا كان ضمير فصل فأحد مفعولي حسب محذوف اختصاراً لدلالة ضمير الفصل عليه ، فعلى قراءة الفوقية فالمحذوف مضاف حَلّ المضافُ إليه محلّه ، أي لا تحسبنّ الذين يبخلون خيراً وعلى قراءة التحتيّة : ولا يحسبنّ الذين يبخلون بُخلهم خيراً .
والبُخْل بضم الباء وسكون الخاء ويقال : بَخَل بفتحهما ، وفعلُه في لغة أهل الحجاز مضموم العين في الماضي والمضارع . وبقية العرب تجعله بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع ، وبلغة غير أهل الحجاز جاء القرآن لِخفّة الكسرة والفتحة ولذا لم يقرأ إلاّ بها . وهو ضدّ الجود ، فهو الانقباض عن إعطاء المال بدون عوض ، هذا حقيقته ، ولا يطلق على منع صاحب شيء غير مال أن ينتفع غيره بشيئه بدون مضرّة عليه إلاَّ مجازاً ، وقد ورد في أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم : « البخيل الذي أُذكرُ عنده فلا يصلّي عليّ » ويقولون : بخِلت العين بالدموع ، ويرادف البخلَ الشحّ ، كما يرادف الجودَ السخاء والسماح .
وقوله : { بل هو شر لهم } تأكيد لنفي كونه خيراً ، كقول امرىء القيس : > وهذا كثير في كلام العرب ، على أنّ في هذا المقام إفادة نفي توهّم الواسطة بين الخير والشرّ .
وجملة { سيطوّقون } واقعة موقع العلّة لقوله : { بل هو شر لهم } .
ويطوّقون يحتمل أنه مشتقّ من الطاقة ، وهي تحمُّل ما فوق القدرة أي سيحملون ما بخلوا به ، أي يكون عليهم وزراً يوم القيامة ، والأظهر أنّه مشتقّ من الطَّوْق ، وهو ما يلبس تحت الرقبة فوق الصدر ، أي تجعل أموالهم أطواقاً يوم القيامة فيعذّبون بحملها ، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم « من اغتصب شبراً من أرض طُوّقه من سبع أرضين يوم القيامة » والعرب يقولون في أمثالهم تقلّدها ( أي الفعلة الذميمة ) طوقَ الحمامة . وعلى كلا الاحتمالين فالمعنى أنّهم يشهَّرون بهذه المذمّة بين أهل المحشر ، ويلزمون عقاب ذلك . وقوله : { ولله ميراث السموات والأرض } تذييل لموعظة البَاخلين وغيرهم : بأنّ المال مال الله ، وما من بخيل إلاّ سيذهب ويترك ماله ، والمتصرّف في ذلك كلّه هو الله ، فهو يرث السماوات والأرض ، أي يستمرّ ملكه عليهما بعد زوال البشر كلّهم المنتفعين ببعض ذلك ، وهو يملك ما في ضمنهما تبعاً لهما ، وهو عليم بما يعمل الناس من بخل وصدقة ، فالآية موعظة ووعيد ووعد لأنّ المقصود لازم قوله : { خبير } .
... عن عبد الله ابن مسعود يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جعل له يوم القيامة شجاع أقرع يفر منه وهو يتبعه حتى يطوقه في عنقه» ثم قرأ علينا: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ}.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
اختلفت القراء في قراءة ذلك، فقرأه جماعة من أهل الحجاز والعراق: {وَلا يَحسَبنّ الّذِينَ يَبخَلونَ} بالياء من يحسبنّ وقرأته جماعة أخر: «وَلا تَحسَبنّ» بالتاء.
ثم اختلف أهل العربية في تأويل ذلك؛ فقال بعض نحويي الكوفة: معنى ذلك: لا يحسبنّ الباخلون البخل هو خيرا لهم. فاكتفى بذكر يبخلون من البخل... وقال بعض نحويي أهل البصرة: إنما أراد بقوله: «وَلا تَحسَبنّ الّذِينَ يَبخَلونَ بِمَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيرا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرّ لَهُمْ» لا تحسبن البخل هو خيرا لهم، فألقى الاسم الذي أوقع عليه الحسبان به وهو البخل، لأنه قد ذكر الحسبان، وذكر ما آتاهم الله من فضله، فأضمرهما إذ ذكرهما... وقال في قوله: {لا يَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خيْرا لَهُمْ} محذوف، غير أنه لم يحذف إلا وفي الكلام ما قام مقام المحذوف، لأن «هو» عائد البخل، و«خيرا لهم» عائد الأسماء، فقد دلّ هذان العائدان على أن قبلهما اسمين، واكتفى بقوله: يبخلون، من البخل. قال: وهذا إذا قرئ بالتاء، فالبخل قبل الذين، وإذا قرئ بالياء، فالبخل بعد الذين، وقد اكتفى بالذين يبخلون من البخل...
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك عندي، قراءة من قرأ: {وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ} بالتاء بتأويل: ولا تحسبنّ أنت يا محمد بخل الذين يبخلون بما أتاهم الله من فضله، هو خيرا لهم، ثم ترك ذكر البخل، إذ كان في قوله هو خيرا لهم، دلالة على أنه مراد في الكلام، إذ كان قد تقدّمه قوله: {الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضلِهِ}.
وإنما قلنا قراءة ذلك بالتاء أولى بالصواب من قراءته بالياء، لأن المحسبة من شأنها طلب اسم وخبر، فإذا قرئ قوله: {وَلا يَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ} بالياء لم يكن للمحسبة اسم يكون قوله: {هُوَ خَيْرا لَهُمْ} خبرا عنه، وإذا قرئ ذلك بالتاء كان قوله: {الّذِينَ يَبْخَلُونَ} اسما له، قد أدّى عن معنى البخل الذي هو اسم المحسبة المتروك، وكان قوله: {هُوَ خَيْرا لَهُمْ} خبرا لها، فكان جاريا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح. فلذلك اخترنا القراءة بالتاء في ذلك على ما بيناه، وإن كانت القراءة بالياء غير خطأ، ولكنه ليس بالأفصح ولا الأشهر من كلام العرب.
وأما تأويل الآية الذي هو تأويلها على ما اخترنا من القراءة في ذلك: ولا تحسبنّ يا محمد، بخل الذين يبخلون بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال، فلا يخرجون منه حقّ الله الذي فرضه عليهم فيه من الزكوات هو خيرا لهم عند الله يوم القيامة، بل هو شرّ لهم عنده في الآخرة...
وقال آخرون: بل عنى بذلك اليهود الذين بخلوا أن يبينوا للناس ما أنزل الله في التوراة من أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته...
وأولى التأويلين بتأويل هذه الآية التأويل الأوّل وهو أنه معنيّ بالبخل في هذا الموضع: منع الزكاة لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تأوّل قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ} قال: البخيل الذي منع حقّ الله منه أنه يصير ثعبانا في عنقه، ولقول الله عقيب هذه الآية: {لَقَدْ سَمِعَ اللّهْ قَوْلَ الّذِينَ قالُوا إنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أغْنِياءُ} فوصف جلّ ثناؤه قول المشركين من اليهود الذين زعموا عند أمر الله إياهم بالزكاة أن الله فقير.
{سَيُطَوّقُونَ ما بَخَلِوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ} يعني بقوله جلّ ثناؤه: {سَيُطَوّقُونَ}: سيجعل الله ما بخل به المانعون الزكاة طوقا في أعناقهم، كهيئة الأطواق المعروفة...
حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو معاوية محمد بن خازم، قال: حدثنا داود، عن أبي قزعة حجر بن بيان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذَا رَحِمِهِ فَيَسألَهُ مِنْ فَضْلٍ أعْطاهُ اللّهُ إيّاهُ فَيَبْخَلَ بِهِ عَلَيْهِ، إلاّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ شُجاعٌ مِنَ النّارِ يَتَلَمّظُ حتى يُطَوّقَهُ» ثم قرأ: «وَلا تَحْسَبنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ» حتى انتهى إلى قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ}...
وقال آخرون: معنى ذلك: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ} فيجعل في أعناقهم طوقا من نار... وقال آخرون: معنى ذلك: سيحمل الذين كتموا نبوّه محمد صلى الله عليه وسلم من أحبار اليهود ما كتموا من ذلك... وقال آخرون: معنى ذلك: سيكلفون يوم القيامة أن يأتوا بما بخلوا به في الدنيا من أموالهم... وأولى الأقوال بتأويل هذه الآية التأويل الذي قلناه في ذلك في مبدأ قوله: {سَيُطَوّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ} للأخبار التي ذكرنا في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد أعلم بما عنى الله تبارك وتعالى بتنزيله منه عليه الصلاة والسلام.
{وِللّهِ مِيرَاثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنه الحيّ الذي لا يموت، والباقي بعد فناء جميع خلقه.
فإن قال قائل: فما معنى قوله: {لَهُ مِيرَاثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ} والميراث المعروف: هو ما انتقل من ملك مالك إلى وارثه بموته، ولله الدنيا قبل فناء خلقه وبعده؟ قيل: إن معنى ذلك ما وصفنا من وصفه نفسه بالبقاء، وإعلام خلقه أنه كتب عليهم الفناء. وذلك أن ملك المالك إنما يصير ميراثا بعد وفاته، فإنما قال جلّ ثناؤه: {ولِلّهِ مِيراثُ السّمَوَاتِ والأرْضِ} إعلاما بذلك منه عباده أن أملاك جميع خلقه منتقلة عنهم بموتهم، وأنه لا أحد إلا وهو فان سواء، فإنه الذي إذا هلك جميع خلقه، فزالت أملاكهم عنهم لم يبق أحد يكون له ما كانوا يملكونه غيره.
وإنما معنى الآية: لا تحسبن الذي يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم، بل هو شر لهم، سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة، بعد ما يهلكون، وتزول عنهم أملاكهم في الحين الذي لا يملكون شيئا، وصار لله ميراثه وميراث غيره من خلقه. ثم أخبر تعالى ذكره أنه بما يعمل هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضل، وغيرهم من سائر خلقه، ذو خبرة وعلم، محيط بذلك كله، حتى يجازي كلاّ منهم على قدر استحقاقه، المحسن بالإحسان، والمسيء على ما يرى تعالى ذكره.
اعلم أنه تعالى لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة شرع ههنا في التحريض على بذل المال في الجهاد، وبين الوعيد الشديد لمن يبخل ببذل المال في سبيل الله.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
قال الأستاذ الإمام: هذا كلام جديد مستقل لا يتعلق بواقعة أحد لا على سبيل القصد ولا على سبيل الاستطراد، فقد جاء في سياق القصة آيات في شؤون الكافرين في أنفسهم وما يليق بهم من الخزي والعقوبة ونحو ذلك تذكر للمناسبة ثم يعود الكلام إلى ما يتعلق بالواقعة، وقد انتهى ذلك بالآيات التي قبل هذه الآيات، وأما هذه وما بعدها إلى آخر السورة فهي في ضروب من الإرشاد وذلك لا يمنع أن يكون بينها وبين ما قبلها تناسب، بل التناسب فيها ظاهر. وأقول: إن الوجه في وصل هذه الآيات بما قبلها هو أن الكلام قبلها كان في وقعة أحد وما كان فيها من شأن المنافقين، وكان الكلام قبلها في حال اليهود، وقبله في حال النصارى مع الإسلام بمناسبة الكلام في أول السورة في التوحيد والكتاب العزيز واختلاف الناس فيه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
انتهى الاستعراض القرآني للمعركة -معركة أحد- ولكن المعركة الدائبة بين الجماعة المسلمة وأعدائها المحيطين بها في المدينة -وبخاصة اليهود- لم تكن قد انتهى عند مقدمه إلى المدينة، وقيام الدولة المسلمة برياسته مرتكنة إلى المسلمين من الأوس والخزرج.. ولكن كان بقي من حوله:بنو النضير، وبنو قريظة، وغيرهم من يهود خيبر وسواهم في الجزيرة.. وكلهم يتراسلون ويتجمعون، ويتصلون بالمنافقين في المدينة، وبالمشركين في مكة وفيما حول المدينة، ويكيدون للمسلمين كيدا لا ينقطع ولا يكف. وقد ورد في أوائل سورة آل عمران تحذير لليهود أن يصيبهم على أيدي المسلمين ما أصاب المشركين: قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد. قد كان لكم آية في فئتين التقتا. فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، يرونهم مثليهم رأي العين، والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.. فلما أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التحذير -الذي جاء ردا على أفاعيلهم وما بدا منهم من الغيظ والدس والكيد عقب بدر- أساءوا أدبهم في استقباله؛ وقالوا:يا محمد. لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال. إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وإنك لم تلق مثلنا. ثم مضوا في دسهم وكيدهم، الذي روت هذه السورة منه الوانا شتى، حتى انتهى أمرهم بنقض ما بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم من العهد. فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، فأجلاهم عن المدينة إلى أذرعات..
وبقيت الطائفتان الأخريان:بنو قريظة وبنو النضير بالمدينة على عهدهما -في الظاهر- مع الكيد والدس والتلبيس والتضليل والبلبلة والفتنة.. وسائر ما برعت فيه يهود في تاريخها كله، وسجله عليها السجل الصادق -كتاب الله- وتعارفه أهل الأرض كلهم، عن ذلك الجنس الملعون! وفي هذا الدرس استعراض لبعض أفاعيل يهود وأقاويلها. يبدو فيه سوء الأدب مع الله -سبحانه- بعد سوء الفعل مع المسلمين. وهم يبخلون بالوفاء بتعهداتهم المالية للرسول صلى الله عليه وسلم ثم يزيدون فيقولون: (إن الله فقير ونحن أغنياء)! ويبدو فيه التعلل الواهي، الذي يدفعون به دعوة الإسلام الموجهة إليهم؛ وكذب هذا التعلل، ومخالفته لواقعهم التاريخي المعروف. هذا الوقاع الذي ينضح بمخالفتهم لعهد الله معهم، وبكتمانهم لما أمرهم الله ببيانه من الحق، ونبذه وراء ظهورهم، وشرائهم به ثمنا قليلا. وبقتلهم أنبياءهم بغير حق، وقد جاءوهم بالخوارق التي طلبوها، وجاءوهم بالبينات فرفضوها. وهذا الكشف المخجل لأفاعيل اليهود مع أنبيائهم، وأقاويلهم على ربهم، كان هو الأمر الذي يقتضيه سوء موقفهم من الجماعة المسلمة، وتأثير كيدهم ودسهم وإيذائهم -هم والمشركون- للمسلمين. كما كانت تقتضيه تربية الله للجماعة المسلمة تربية واعية؛ تبصرهم بما حولهم، وبمن حولهم؛ وتعرفهم طبيعة الأرض التي يعملون فيها، وطبيعة العقبات والفخاخ المنصوبة لهم، وطبيعة الآلام والتضحيات المرصودة لهم في الطريق.. وقد كان الكيد اليهودي للجماعة المسلمة في المدينة أقسى وأخطر من عداوة المشركين لهم في مكة. ولعله ما يزال أخطر ما يرصد للجماعات المسلمة في كل مكان، على مدار التاريخ.. ومن ثم نجد التوجيهات الربانية تتولى على المسلمين في ثنايا الاستعراض المثير.. نجد توجيههم إلى حقيقة القيم الباقية والقيم الزائلة. فالحياة في هذه الأرض محدودة بأجل. وكل نفس ذائقة الموت على كل حال. إنما الجزاء هناك، والكسب والخسارة هناك. (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).. وهم مبتلون في أموالهم وأنفسهم، والأذى سينالهم من أعدائهم المشركين وأهل الكتاب. فلا عاصم لهم إلا الصبر والتقوى، والمضي مع المنهج، الذي يزحزحهم عن النار! وهذا التوجيه الإلهي للجماعة المسلمة في المدينة ما يزال هو هو، قائما اليوم وغدا، يبصر كل جماعة مسلمة تعتزم سلوك الطريق، لإعادة نشأة الإسلام ولاستئناف حياة إسلامية في ظل الله.. يبصرها بطبيعة أعدائها -وهم هم مشركين وملحدين وأهل كتاب- الصهيونية العالمية والصليبية العالمية والشيوعية! -ويبصرها بطبيعة العقبات والفخاخ المرصودة في طريقها، وبطبيعة الآلام والتضحيات والأذى والابتلاء. ويعلق قلوبها وأبصارها بما هنالك. بما عند الله. ويهون عليها الأذى والموت والفتنة في النفس والمال. ويناديها- كما نادى الجماعة المسلمة الأولى -: (كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفون أجوركم يوم القيامة. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور. لتبلون في أموالكم وأنفسكم؛ ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا. وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).. والقرآن هو القرآن. كتاب هذه الأمة الخالد. ودستورها الشامل. وحاديها الهادي. وقائدها الأمين. وأعداؤها هم أعداؤها.. والطريق هو الطريق..
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
بين الله سبحانه وتعالى العبر في غزوة أحد وما كان فيها، وقد أشار سبحانه في آخر بيان العبر إلى ما عليه أهل الكفر من نعيم دنيوي، وتمكين من أسباب الحياة، وأشار سبحانه وتعالى بالشدائد، مع رؤية نعيم الكافرين، ليميز الله سبحانه وتعالى الخبيث من الطيب، وأشار سبحانه إلى ان هذا الإملاء للكافرين ليس خيرا لهم، بل إن عقباه سنكون شرا لهم؛ لأنهم بهذا العطاء سيستمرئون الشر، ويوغلون فيه إيغالا، ووراء ذلك العذاب الأليم، والخزي في الدنيا والآخرة، وفي هذه الآيات يصرح سبحانه بما سكون منهم في النعمة التي اختبرهم سبحانه وتعالى بها؛ إذ إنهم لا يجعلونها سبيلا للخير، بل يحبسونها على أنفسهم حبسا، فتكون شرا لا خير فيه لأحد، ولذا قال سبحانه: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم}.
البخل هو: الحرص الشديد فيما يملك الإنسان من مال أو علم أو أي ضرب من ضروب القدرة التي يستطيع أن يعين بها غيره، وعلى ذلك يشمل البخل كل شح، سواء أكان موضوعه المال، أم لم يكن موضوعه المال، وقد فسر بعض العلماء البخل في هذه الآية بكتمان العلم، ذلك أن اليهود كتموا أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم وتبشير التوراة به، وضنوا بها فلم يعلنوها ليضلوا، أو ليمنعوا الهداية.
وقد فسر الأكثرون البخل بمعناه الظاهر المتبادر، وهو البخل في المال، ويتفق هذا مع سياق الكلام، إذ إن الله سبحانه وتعالى قد حكى عن هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله، أن منهم من يقول إن الله فقير ونحن أغنياء، ولأن الله سبحانه وتعالى ذكر بعد بيان بخلهم أن الله سبحانه وتعالى له ميراث السموات والأرض، والتعبير بكلمة ميراث يومئ إلى أن موضوع البخل هو المال.
والنهي عن الظن وأن البخل المالي فيه خير في قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون} يدل على النفي المؤكد، فالمعنى لا يصح لهم أن يظنوا بأي حال من الأحوال أن ذلك البخل فيه خير لهم، بل فيه شر لهم، وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن سبب البخل نسيان أصل المال، إذ إن البخيل يحسب أن ما يأتي إليه من مال إنما هو بجهوده وكسبه فقط، ليس فضلا من الله، وينسى أن الله سبحانه وتعالى هو المعطي المانع، وأنه يرزق من يشاء بغير حساب، وأن الرجلين يسعيان ويتخذان الأسباب، فتاتي جائحة لهذا تأكل الأخضر واليابس، وينجو مال ذلك، والله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم، ولذا بين الله سبحانه أن المال الذي يجيئ إليهم إنما هو بفضل من الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: {يبخلون بما آتاهم الله من فضله}، فهو يبين لهم أن المال مال الله تعالى، وأن الله تعالى يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء.
والضمير في قوله تعالى: {هو خيرا لهم} تأكيد لمعنى البخل المفهوم من قوله تعالى {يبخلون}، ونرى أن الضمير ضمير الفصل لتأكيد نفي الظن في الخيرية.
وقد بين سبحانه أنه شر لهم، فقال سبحانه: {بل هو شر لهم} وفي إعادة الضمير، وذكر الجملة الاسمية تأكيد لمعنى الشر في البخل، والبخل شر في الدنيا وفي الآخرة؛ وذلك لأنه يدفع إلى الحقد في الدنيا، والحقد في الآحاد يؤدي إلى النزاع المستمر، وتقطع العلاقات الأدبية، وهو في الجماعات يؤدي إلى الخراب والدمار.ولقد روى مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم".
{سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} التطويق إما من الطاقة؛ سيكلفون أقصى ما يطيقون ليخسروا المال الذي بخلوا به يوم القيامة، ولكنهم لا يملكون في هذا اليوم من أمرهم شيئا، فلا يستجيبون لنداء، ولا لكلام، لأنهم لا يستطيعون، وذلك على حد قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون42} [القلم].
وقد يكون وهو الأرجح من الطوق، والمعنى أنه سيكون ما بخلوا به طوقا في أعناقهم، وغلا فيها بما كان منهم في الدنيا، وهو طوق مؤلم، مثله النبي صلى الله عليه وسلم بثعبان، فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا قوله تعالى: {سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة}".
والنص القرآني والحديث النبوي استعارة تمثيلية لإحاطة البخل بصاحبه يوم القيامة، وإنها إحاطة إيلام، وفيها بيان أن السعادة الوقتية للاكتناز والبخل في الدنيا ستكون يوم القيامة بؤسا شديدا، وشقوة وإيلاما.
بهذا النص الكريم تبين قبح البخل، ويتبين مقام الإنفاق في سبيل الله، ولكن ما حد البخل؟ وما حد السرف؟ وبهذين الحدين يتبين الإنفاق الحلال والقصد.
لقد قرر العلماء أن الإنفاق في سبيل الله تعالى لا إسراف فيه قط، ولو كان بكل المال وأنه يروى أن عمر بن الخطاب تبرع في إحدى الغزوات بنصف ماله، وأن أبا بكر الصديق تبرع بكل ماله، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:"ما أبقيت لأهلك؟ "فقال صديق هذه الأمة:"الله ورسوله؟ وقد كان ذو النورين عثمان بن عفان يجهز الجيش كله أحيانا، كما فعل في ساعة العسرة، ولم يعد ذلك إسرافا.
وقد اتفقوا أيضا على أن الامتناع عن الإنفاق في سبيل الله تعالى في عسرة الدولة، ومداهمة الأعداء لها، بخل بل هو أقبح وأشده، ولذلك أجاز الفقهاء فرض ضرائب إذا داهمت الأمة الإسلامية الأعداء وامتنع الأغنياء عن الإنفاق، وهذا النوع من البخل هو المقصود بهذا النص الكريم.
وقد اتفقوا أيضا على أن كل درهم ينفق في معصية هو إسراف، والخلاصة أن الحد ما بين الإسراف والبخل هو الإنفاق في غير ما أمر الله تعالى، ولذلك يقول ابن عباس: إنفاق ألف في سبيل الله لا يكون إسرافا، وإنفاق درهم في معصية يكون إسرافا.
{ولله ميراث السموات والأرض والله بما تعملون خبير} هذا النص الكريم يفيد أربعة معان تؤكد وجوب الإنفاق في سبيل الخير، والجهاد في سبيل الله تعالى:
المعنى الأول- أن المال كله لله تعالى، فهو الذي أعطى كما عبر سبحانه وتعالى: {بما آتاهم الله من فضله}، وأن مآل المال إليه سبحانه وتعالى في ضمن ما يؤول إليه كل شيء في هذا الوجود، بلا استثناء مطلقا، ومن يبخل لورثة يرثونه، فليعلم أن الميراث كله لله تعالى، وأنه سيعطيهم إن أراد سبحانه، وإن لم يرد لهم عطاء فسينفقونه إسرافا وبدارا.
والمعنى الثاني- هو بيان سلطان الله تعالى على كل ما في الوجود، فهو ملكه، وهو الذي يؤول إليه، وفي ذلك كمال سلطانه، وتأكيد لمعنى أنه المعطى الوهاب، والقوي الرزاق المتين، ولذلك لم يعبر عن الميراث بأنه ميراث الأموال التي نعرفها، بل ميراث كل ما حوته السماء وما حوته الأرض.
والمعنى الثالث – أن العطاء الذي يعطيه الله تعالى بعض عباده، ويختصهم به يوجب عليهم تكليفات مالية فيه، فإذا كان سبحانه وتعالى قد ابتلى الفقراء بالفقر، فقد ابتلى الأغنياء بالمال، وأوجب عليهم أن يعطوا، وهم محاسبون على مالهم، {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون9} [الحشر]، وقد فهم هذا من ذكر علم الله تعالى الدقيق العظيم، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {والله بما تعلمون خبير} والمعنى الرابع- أن الجزاء سيكون شاملا كاملا؛ لأن علم الله دقيق لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره7 ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره8} [الزلزلة].
ولذلك عبر سبحانه عن علمه بأعمالنا بأنه خبير، والخبرة هي العلم الدقيق الشامل.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
تبيّن الآية الحاضرة مصير البخلاء في يوم القيامة، أُولئك الذين يبذلون غاية الجهد في جمع الثّروة ثمّ يمتنعون عن الإِنفاق في سبيل الله، ولصالح عباده.
والآية هذه وإِن لم تتعرض صراحة لذكر الزكاة وغيرها من الحقوق والفرائض المالية، إِلاّ أنّ الأحاديث الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وكذا أقوال المفسرين خصصت هذه الآية وما وعد به فيها من الوعيد بمانعي الزكاة، ويؤيده التشديد المشهود في الآية، فإِن أمثال هذا التشديد والتغليظ لا يتناسب مع الإِنفاق المندوب المستحب.
تقول الآية أوّلا: (ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شرّ لهم) ثمّ تصف مصير هؤلاء في يوم القيامة هكذا: (سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) أي ستكون تلك الأموال التي بخلوا بها طوقاً في أعناقهم في ذلك اليوم الرهيب.
ومن هذه الجملة يستفاد أن الأموال التي لم يدفع صاحبها الحقوق الواجبة فيها، ولم ينتفع بها المجتمع، بل صرفت فقط في سبيل الأهواء الشخصية، وربّما صرفت في ذلك السبيل بشكل جنوني، أو كدست دون أي مبرر ولم يستفد منها أحد سيكون مصيرها مصير أعمال الإِنسان، أي أنّها طبقاً لقانون تجسم الأعمال البشرية ستتجسم يوم القيامة وتتمثل في شكل عذاب مؤلم يؤذي صاحبها ويخزيه.
إِنّ تجسّم مثل هذه الأموال التي تطوق بها أعناق ذويها إِشارة إِلى الحقيقة التالية، وهي أن كل إِنسان يتحمل ثقل مسؤوليتها كاملا دون أن يكون هو قد انتفع بها.
إِنّ الأموال الوفيرة التي تجمع بشكل جنوني وتكنز ولا تصرف في خدمة المجتمع لا تكون سوى أغلال وسجون لأصحابها، لأن للاستفادة كما نعلم من الأموال والثروة الشخصية حدوداً، فإِذا تجاوزها الإِنسان عادت عليه نوعاً من الأسر الثقيل، والوزر الضّار، اللّهم إِلاّ أن يستفيد من آثارها المعنوية وذلك حينما يوظفها في الأعمال الإِيجابية الصالحة.
ثمّ إن هذه الأموال لا تشكل طوقاً ثقيلا في أعناق أصحابها في الآخرة فحسب، بل تكون كذلك في هذه الدنيا أيضاً، غاية الأمر أن هذا المعنى يكون أكثر ظهوراً في الآخرة، بينما يكون في شيء من الخفاء في هذه الحياة، فأية حماقة ترى أكبر من أن يتحمل المرء مسؤولية جمع الثّروة مضافة إِلى مسؤولية الحفاظ عليها وحسابها والدّفاع عنها وما يلازم ذلك من مشاق تثقل كاهله، في حين لا ينتفع بها هو أبداً، وهل الأموال حينئذ إِلاّ طوق أسر ثقيل لا غير؟...
والملفت للنظر التعبير عن المال في هذه الآية ب (ما أتاهم الله من فضله) الذي يفهم منه أن المالك الحقيقي لهذه الأموال ومصدرها هو الله سبحانه، وإِن ما أعطاه لأيّ واحد من الناس فإِنّما هو من فضله، ولهذا ينبغي أن لا يبخل، أن ينفق من تلك الأموال في سبيل صاحبها الحقيقي.
ثمّ إنّ بعض المفسرين يرى أن مفهوم هذه العبارة يعم جميع المواهب الإِلهية ومنها العلم، ولكن هذا الاحتمال لا ينطبق مع ظاهر التعبيرات الواردة في الآية.
ثمّ إنّ الآية تشير إِلى نقطة أخرى إِذ تقول: (ولله ميراث السماوات والأرض) يعني أن الأموال سواء أنفقت في سبيل الله أو لم تنفق فإِنّها ستنفصل في النهاية عن أصحابها، ويرث الله الأرض والسماء وما فيهما، فالأجدر بهم والحال هذه أن ينتفعوا من آثارها المعنوية، لا أن يتحملوا وزرها وعناءها، وحسرتها وتبعتها.
ثمّ تختم الآية بقوله تعالى: (والله بما تعملون خبير) أي أنّه عليم بأعمالكم، يعلم إذا بخلتم، كما يعلم إِذا انفقتم ما أُوتيتموه من المال في السبيل الصالح العام وخدمة المجتمع الإِنساني، ويجازي كلا على عمله بما يليق.