تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (180)

الآية 180 وقوله تعالى : { ولا يحسبن الذين } أوتوا الكتاب أن ما يؤتون من المال وينالون من النيل بكتمان بعث بمحمد صلى الله عليه وسلم وصف ته وتحريفهما أن ذلك خير لهم { بل هو شر لهم } في الدنيا وفي الآخرة . ولو لم يكتموا كان خيرا لهم في الدنيا وشرفا ، وفي الآخرة ثوابا وجزاء ، وقيل : نزلت في ( من منعوا{[4643]} ) الزكاة كقوله تعالى : { سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة } فإن كان التأويل الأول من كتمان بعثه{[4644]} وصفته فهو ، والله أعلم ، يطوق ذلك في صفة يوم القيامة ليعرفه كل أحد ، كقوله عز وجل { وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه } ( الإسراء 13 ) وإن كان على التأويل الثاني قيل : إن الزكاة التي منعها تصير حية{[4645]} ذكرا شعاعا{[4646]} أقرع{[4647]} ذا{[4648]} زبيبتين يعني نابين فيطوق بها في عنقه فتنهشه بنابيها{[4649]} فيتقيها بذراعيه حتى يقضي بين الناس فلا تزال معه حتى يساق إلى النار والله أعلم .

وقوله تعالى : { ولله ميراث السماوات والأرض } في الآية دلالة أن أهل السماوات والأرض ليس على ما يقوله القرامطة : إنهم لا يموتون لأنه أخبر أن له ميراث السماوات والأرض ، والوارث هو الذي يخلف المورث ، دل أنه ما ذكرنا ، وإن كانوا هم وجميع ما في أيديهم لله تعالى عز وجل ملك له وعبيده . ألا ترى أنه روي في الخبر : " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر إلا المولى من عبده " ؟ ( الترمذي 2107 ) سمي ما يكون للمولى من عبده ميراثا وإن كان العبد وما في يده ملكا{[4650]} للمولى . فعلى ذلك الأول سمى عز وجل ميراثا وإن كانوا{[4651]} عبيده وما أيديهم ملكا{[4652]} له والله أعلم .

قال الشيخ رحمه الله : وقوله تعالى : { ولله ميراث السموات والأرض } وكانت له لا بحق الميراث لوجهين :

أحدهما : / 75 –أ / على الإخبار عن ذهاب أهلها وبقائه عز وجل دائما إذ ذلك وصف المواريث أن يكون لمن بكون له البقاء بعد فناء من تقدم والله عز وجل هو الباقي بعد فناء الكل مع ما يجوز القول بما هو له في الحقيقة من قبله بالميراث من حيث ملك غير الانتفاع بذلك وعلى ذلك المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر إلا المولى من عبده " ( الترمذي 2107 ) وليس ذلك في الحقيقة ميراثا{[4653]} وإذ كان له في حال حياته ولكن كانت ولاية الانتفاع به فزال وعلى مثل هذا وارثة المسلمين في الجنة لا على انتقال من غيرهم إليهم ولكن على بقائهم فيها وحصول أمرها لهم أو على وراثة لو كان من لم يؤمن آمن وما ادعوا أنها لهم بقولهم { لن يدخل الجنة إلا من كان هودا او نصارى } ( البقرة 111 ) فصارت ميراثا لغيرهم ما ادعوا أنها لهم والله أعلم .

والثاني : أن يعلم كل بالموت حقيقتها أنها له فأضيفت إليه بالميراث عنهم كما قال تعالى { وبرزوا لله جميعا } ( إبراهيم 21 ) {[4654]} { وإليه المصير } ( المائدة 18 و . . ) والمرجع{[4655]} ونحو ذلك من غير غيبة ولكن مما يعلم كل غذ ذاك ذلك ، وكذلك قوله عز وجل : والأمر يومئذ لله } ( الانفطار ل9 ) وهو في الحقيقة في كل يوم له ولا قوة إلا بالله .

وفي الذكر والأخبار أنها له ميراث تحريض على الإنفاق والتزود إذ هي الحقيقة لغير أهلها ، إنما لهم ينفقون وتتردون دون ما يمسكون وفيه منع الإمساك وذلك كقوله تعالى : { وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض } ( الحديد 10 ) وقوله{[4656]} : { والله بما تعملون خبير } وعيد منه عز وجل إياهم .


[4643]:في الأصل و م: ما بقي.
[4644]:في الأصل و م: نعته.
[4645]:من م في الأصل بحية.
[4646]:الشجاع بالضم الحية الذكر.
[4647]:الأقرع هو الذي تمرط جلد رأسه لكثرة سمه وطول عمره.
[4648]:في الأصل و م: ذو.
[4649]:في الأصل و م بنابين.
[4650]:في الأصل و م: ملك.
[4651]:في الأصل و م: كان.
[4652]:في الأصل و م: ملك.
[4653]:في الأصل و م: ميراث.
[4654]:ساقطة من الأصل و م.
[4655]:إشارة إلى قوله تعالى {ثم إلي مرجعكم} (آل عمران 55)
[4656]:في الأصل و م الآية.