التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (180)

{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( 180 ) } [ 180 ] .

عبارة الآية واضحة وفيها تنديد وإنذار للذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله . مع التنبيه على أن ميراث السموات والأرض لله وحده بسبيل التشديد في التنديد والإفحام ، من حيث إن الذين يبخلون إنما يبخلون بمال الله ، وهو يأمرهم بعدم البخل به .

ولم يرو المفسرون مناسبة خاصة لنزول الآية ، وإنما أوردوا أقوالا فيما عنته . منها قول معزو إلى ابن عباس أنها في حق أهل الكتاب الذين يكتمون ما عندهم من البينات والدلائل على صدق الرسالة المحمدية مؤولا البخل بالكتمان . ومنها قول معزو إلى السدي وغيره أنها في مانعي الزكاة{[471]} . وفي فصل التفسير في صحيح البخاري في سياق تفسير آل عمران حديث عن أبي هريرة جاء فيه : ( قال رسول الله : من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له ماله شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه يقول : أنا مالك أنا كنزك ثم تلا الآية ){[472]} . وجمهور المفسرين على أن القول الثاني هو الأوجه ، وهو حق ومتسق مع فحوى الآية . ولا سيما أن النعي على الذين أوتوا الكتاب لكتمانهم إياه هو موضوع آيات أخرى في هذه السورة تأتي بعد قليل . ويبدو من هذا أن الآية ليست من السياق السابق .

ولقد حكت الآيات التالية لهذه الآية قول اليهود بأنهم أغنياء والله فقير ، وروي أن هذا كان منهم جوابا للنبي صلى الله عليه وسلم في وقت طلب منهم مساعدة على ما سوف نذكره بعد حيث يتبادر لنا أن بين هذه الآية والآيات التالية صلة ، وأنها جاءت بمثابة تمهيد لحكاية ذلك القول وتعنيف اليهود عليه ووصفهم بالبخل بمناسبته . وبكلمة أخرى جاءت بدء فصل جديد ، والله أعلم .

والآية على كل حال احتوت تقرير معنى تام في صدد التنديد بالبخلاء الضانين بأموالهم عن سبيل الخير وبخاصة الممتنعين عن أداء الزكاة الواجبة عليهم وإنذارهم . وعبارتها مطلقة تتضمن الشمول والاستمرار في التلقين كما هو واضح أيضا . وأسلوبها قوي رائع في التنديد الذي ينطوي على الحث على الإنفاق من المال الذي في أيديهم والذي هو في حقيقته مال الله وفضله ليسوا أكثر من وكلاء عليه .

ولقد تكرر ما جاء في هذه الآيات كثيرا في القرآن المكي والمدني معا بأساليب متنوعة ؛ لأنه أساس رئيسي من أسس الرسالة المحمدية .


[471]:أنظر تفسيرها في الطبري والخازن وابن كثير.
[472]:أنظر التاج، ج 4 ص 78، والشجاع هو الثعبان، واللهزمتان هما الشدقان من تفسير مؤلف التاج.