بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{وَلَا يَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ هُوَ خَيۡرٗا لَّهُمۖ بَلۡ هُوَ شَرّٞ لَّهُمۡۖ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِۦ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ} (180)

ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ } أي بما أعطاهم الله من المال ، يبخلون ويمنعون الزكاة والصدقة وصلة الأرحام ، فلا يظنوا أن ذلك { هُوَ خَيْرٌ لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ } يعني : أن البخل شر لهم . ويقال : الفضل شر لهم { سَيُطَوَّقُونَ } يقول سيوثقون { مَا بَخِلُواْ بِهِ } من الزكاة كهيئة الطوق . وروي عن ابن عباس أنه قال : يأتي كنز أحدهم ، شجاع أقرع له زبيبتان طوقاً في عنقه ، يلدغ خديه ويقول : أنا الزكاة التي بخلت بي في الدنيا وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا فذلك قوله تعالى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة } ويقال : هو طوق من نار في عنقه . ويقال : هو على وجه المثل ، يعني وبال ذلك في عنقهم كما قال في آية أخرى : { وَكُلَّ إنسان ألزمناه طائره في عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً } [ الإسراء : 13 ] .

قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض } يعني إذا هلك الخلق كلهم أهل السموات من الملائكة ، وأهل الأرض من الإنس والجن وسائر الخلق ، ويبقى رب العالمين ثم يقول : { يَوْمَ هُم بارزون لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شيء لِّمَنِ الملك اليوم لِلَّهِ الواحد القهار } [ غافر : 16 ] . فلا يجيب أحد فيرد على نفسه فيقول : { يا صاحبي السجن أَأَرْبَابٌ مُّتَّفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الواحد القهار } [ يوسف : 39 وغيرها ] فذلك قوله تعالى : { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض } يعني يهلك أهل السموات والأرض ولم يبق لأحد ملك . وإنما سمي ميراثاً على وجه المجاز ، لأن القرآن بلغة العرب ، وكانوا يعرفون أن من رجع الملك إليه يكون ميراثاً على وجه المجاز ، وأما في الحقيقة فليس بميراث ، لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئاً لم يكن يملكه من قبل ، والله عز وجل مالكهما ، وكانت السموات وما فيها والأرض وما فيها له ، وإنما كانت الأموال عارية عند أربابها ، فإذا ماتوا رجعت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل . ومعنى الآية أن الله تعالى أمر عباده أن ينفقوا ولا يبخلوا ، قبل أن يموتوا ويتركوا المال ميراث الله لله تعالى ، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا .

ثم قال تعالى : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } أي عالم بمن يؤدي الزكاة وبمن يمنعها ، فيجازي كل نفس بما عملت . قرأ ابن كثير وأبو عمرو { بما يعملون } بالياء ، والباقون بالتاء على وجه المخاطبة .