قوله سبحانه : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ }
قال السُّدِّيُّ وجماعةٌ من المتأوِّلين : الآية نزلَتْ في البُخْل بالمال ، والإنفاقِ في سبيل اللَّه ، وأداء الزكاة المفْرُوضَة ، وَنحْو ذلك ، قال : ومعنى : { سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ } هو الذي ورد في الحديثِ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذَا رَحِمِهِ ، فَيَسْأَلَهُ مِنْ فَضْلٍ عِنْدَهُ ، فَيَبْخَلُ عَلَيْهِ إلاَّ أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعٌ مِنَ النَّارِ يَتَلَمَّظُ ، حتى يُطَوَّقَه ) .
قُلْتُ : وفي البخاريِّ وغيره ، عنه صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً ، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ ، مُثِّلَ لَهُ شُجَاعاً أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَأْخُذُ بلَهْزَمَتَيْهِ ، يَعْنِي : شِدْقَيهِ ، يَقُولُ : أَنَا مَالُكَ ، أَنَا كَنْزُكَ ) ثُمَّ تَلاَ هذه الآيةَ : { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَا آتاهم الله مِن فَضْلِهِ . . . } الآية .
قلْتُ : واعلم أنه قد وردَتْ آثار صحيحةٌ بتعذيبِ العُصَاة بنَوْعٍ مَا عَصَوْا به ، كحديث : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَهُوَ يَجَأُ نَفْسَهُ بِحَدِيدَتِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، وَالَّذِي قَتَلَ نَفْسَهُ بِالسُّمِّ ، فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ " ، ونحو ذلك .
قال الغَزَّالِيُّ . في «الجَوَاهِرِ » : واعلم أنَّ المعانِيَ في عالم الآخرة تستتبعُ الصُّور ، ولا تَتْبَعُها ، فيتمثَّل كلُّ شيء بصورة تُوَازِي معناه ، فيُحْشَرُ المتكبِّرون في صُوَرِ الذَّرِّ يَطَأهُمْ مَنْ أَقْبَل وأَدْبَر ، والمتواضِعُون أعزَّاء . انتهى . وهو كلام صحيحٌ يشهد له صحيحُ الآثارِ ، ويؤيِّده النظَرُ والاعتبار ، اللَّهم ، وفِّقنا لما تحبُّه وترضاه .
قال ابنُ العَرَبِيِّ في «أحكامه » : قال عُلَماؤنا : البُخْل : مَنْعُ الواجبِ ، والشُّحُّ : منع المستحَبِّ ، والصحيحُ المختارُ أنَّ هذه الآيةَ في الزكاة الواجبَة ، لأنَّ هذا وعيدٌ لمانعيها ، والوعيدُ إذا اقترن بالفعْلِ المأمورِ به ، أو المنهيِّ عنه ، اقتضى الوجوبَ ، أو التحريمَ . انتهى . وتعميمها في جميع أنْواع الواجب أحْسَنُ .
وقوله سبحانه : { وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السموات والأرض } خطابٌ على ما يفهمه البشر ، دَالٌّ على فناء الجميعِ ، وأنه لا يبقى مَالِكٌ إلاَّ اللَّه سبحانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.