ثم إنه عز من قائل لما بالغ في التحريض على بذل النفس في الجهاد ، حرض على بذل المال في سبيل الله فقال : { ولا تحسبن الذين يبخلون } من قرأ بتاء الخطاب قدر مضافاً أي لا تحسبن بخل الذين يبخلون هو خيراً لهم ، وكذا من قرأ بالياء وجعل فاعله ضمير النبي أو أحد . ومن جعل الموصول فاعلاً فالمفعول الأول محذوف للدلالة . التقدير : ولا تحسبن هؤلاء بخلهم هو خيراً وهو صيغة الفصل . قال الواحدي : جمهور المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مانعي الزكاة لترتب الوعيد عليه وسوق الكلام في معرض الذم ، ولأن تارك التفضل لو عدّ بخيلاً لم يتخلص الإنسان من البخل إلا بإخراج جميع المال . وفي حكم الزكاة سائر المصارف الواجبة كالإنفاق على النفس وعلى الأقربين الذين يلزمه مؤنتهم ، وعلى المضطر ، وفي الذب عن المسلمين إذا قصدهم عدوّ وتعين دفعهم بالمال . وروى عطية عن ابن عباس أنها نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوّته . وأراد بالبخل كتمان العلم الذي آتاهم الله ، وعلى هذا يكون عوداً إلى ما انجرّ منه الكلام إلى قصة أحد ، وذلك هو شرح أحوال أهل الكتاب ويعضده أن كثيراً من آيات بقية السورة فيهم . وعلى هذا التفسير فمعنى { سيطوّقون } أن الله تعالى يجعل في رقابهم طوقاً من النار كقوله صلى الله عليه وسلم : " من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار " والسر فيه أنهم لم ينطقوا بأفواههم وألسنتهم بما يدل على الحق . وعلى التفسير الأول فإما أن يكون محمولاً على ظاهره وهو أن يجعل ما بخل به من الزكاة حية يطوّقها في عنقه تنهشه من قرنه إلى قدمه وتنقر رأسه ويقول : أنا مالك .
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل طوقاً في عنقه شجاعاً أقرع يفر منه وهو يتبعه " . ثم قرأ مصداقه من كتاب الله عز وجل { ولا تحبسن الذين يبخلون } الآية . وعن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وسلم : " إن الذين لا يؤدي زكاة ماله يخيل إليه ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع له زبيبتان فيلزمه أي يطوّقه يقول : أن كنزك " وأما أن يكون على طريق التمثيل لا على أن ثمة أطواقاً أي سيلزمون إثمه في الآخرة إلزام الطوق . وفي أمثالهم " يقلدها طوق الحمامة " . إذا جاء بهنة يسب بها ويذم . وقال مجاهد : معناه سيكلفون أن يأتوا بما بخلوا به يوم القيامة . ونظيره ما روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ { وعلى الذين يطوّقونه فدية }[ البقرة :184 ] قال المفسرون : يكلفونه ولا يطيقونه أي يؤمرون بأداء ما منعوه حتى لا يمكنهم الإتيان به فيكون ذلك توبيخاً على معنى هلا فعلتم ذلك حين كان ممكناً ؟ { ولله ميراث السماوات والأرض } وله ما فيهما مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره . فمالهم يبخلون عليه بملكه ولا ينفقونه في سبيله ؟ ونظيره قوله :{ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه }[ الحديد :7 ] وقال كثير من المفسرين : المقصود أنه يبطل ملك جميع المالكين إلا ملك الله فيصير كالميراث . قال ابن الأنباري : يقال ورث فلان علم فلان إذا تفرد به بعد أن كان مشاركاً له فيه . ومثله { وورث سليمان داود }[ النمل :16 ] أي انفرد بذلك الأمر بعد أن كان داود مشاركاً له فيه أو غالباً عليه { والله بما تعملون خبير } من قرأ على الغيبة فظاهر ، أي يجازيهم على منعهم الحقوق . ومن قرأ على الخطاب فللالتفات وهي أبلغ في الوعيد لأن الغضب كأنه تناهى إلى حد أقبل على الخطاب وشافه بالعتاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.