المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (25)

في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه ، وقيل الصغرى ، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية ، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا ، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة ، وقيل إن اسمها صوريا ، وقال وهب : زوجه الكبرى ، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى ، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر{[9132]} ، وقال النقاش : ويقال كانتا توأمتين ، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار ، وقوله { تمشي } حال من { إحداهما } ، وقوله { على استحياء } أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال عمرو بن ميمون : لم تكن سلفعاً{[9133]} من النساء ولاجة خراجة ، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو ، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه ، وقال الحسن : هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان ، وقال أبو عبيدة : يثرون ، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب ، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته ، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس ، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فأنسه بقوله { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون .


[9132]:نص الحديث كما ذكره في القرطبي: عن أبي ذر قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل: خيرهما وأوفاهما، وإن سئلت أي المرأتين تزوج فقل: الصغرى، وهي التي جاءت خلفه، وهي التي قالت: {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}.
[9133]:أي: لم تكن جريئة على الرجال.