فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (25)

قوله : { فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى استحياء } في الكلام حذف يدل عليه السياق . قال الزجاج : تقديره فذهبتا إلى أبيهما سريعتين ، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي ، فحدّثتاه بما كان من الرجل الذي سقى لهما ، فأمر الكبرى من بنتيه ، وقيل : الصغرى أن تدعوه له فجاءته . وذهب أكثر المفسرين إلى أنهما ابنتا شعيب ، وقيل : هما ابنتا أخي شعيب ، وأن شعيباً كان قد مات . والأوّل أرجح ، وهو ظاهر القرآن . ومحلّ { تَمْشِي } النصب على الحال من فاعل جاءت ، { وعلى استحياء } حال أخرى ، أي كائنة على استحياء حالتي المشي والمجيء فقط ، وجملة : { قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ } مستأنفة جواب سؤال مقدر ، كأنه قيل : ماذا قالت له لما جاءته ؟ { لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } أي جزاء سقيك لنا { فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص } القصص مصدر سمي به المفعول : أي المقصوص يعني أخبره بجميع ما اتفق له من عند قتله القبطيّ إلى عند وصوله إلى ماء مدين { قَالَ } شعيب { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين } أي فرعون وأصحابه ؛ لأن فرعون لا سلطان له على مدين ، وللرازي في هذا الموضع إشكالات باردة جدًّا لا تستحق أن تذكر في تفسير كلام الله عزّ وجلّ ، والجواب عليها يظهر للمقصر فضلاً عن الكامل ، وأشفّ ما جاء به أن موسى كيف أجاب الدعوة المعللة بالجزاء لما فعله من السقي . ويجاب عنه بأنه اتبع سنة الله في إجابة دعوة نبيّ من أنبياء الله ، ولم تكن تلك الإجابة لأجل أخذ الأجر على هذا العمل ، ولهذا ورد أنه لما قدّم إليه الطعام قال : إنا أهل بيت لا نبيع ديننا بملء الأرض ذهباً .

/خ32