مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{فَجَآءَتۡهُ إِحۡدَىٰهُمَا تَمۡشِي عَلَى ٱسۡتِحۡيَآءٖ قَالَتۡ إِنَّ أَبِي يَدۡعُوكَ لِيَجۡزِيَكَ أَجۡرَ مَا سَقَيۡتَ لَنَاۚ فَلَمَّا جَآءَهُۥ وَقَصَّ عَلَيۡهِ ٱلۡقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفۡۖ نَجَوۡتَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (25)

{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى استحياء قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا } على استحياء في موضع الحال أي مستحية ، وهذا دليل كمال إيمانها وشرف عنصرها لأنها كانت تدعوه إلى ضيافتها ولم تعلم أيجيبها أم لا ، فأتته مستحية قد استترت بكم درعها ، و «ما » في { ما سقيت } مصدرية أي جزاء سقيك . روي أنهما ما رجعتا إلى أبيهما قبل الناس وأغنامهما حفّل قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا . فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي فتبعها موسى عليه السلام فألزقت الريح ثوبها بجسدها فوصفته فقال لها : امشي خلفي وانعتي لي الطريق { فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص } أي قصته وأحواله مع فرعون ، والقصص مصدر كالعلل سمي به المقصوص { قَالَ } له { لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القوم الظالمين } إذ لا سلطان لفرعون بأرضنا ، وفيه دليل جواز العمل بخبر الواحد ولو عبداً أو أنثى والمشي مع الأجنبية مع ذلك الاحتياط والتورع . وأما أخذ الأجر على البر والمعروف فقيل : إنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليه السلام ، على أنه روي أنها لما قالت { ليجزيك } كره ذلك وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها لأن للقاصد حرمة . ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع فقال شعيب : ألست جائعاً ؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون عوضاً مما سقيت لهما وإنا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ولا نأخذ على المعروف ثمناً . فقال شعيب عليه السلام : هذه عادتنا مع كل من ينزل بنا فأكل .