لما تقدم إنكار ما حرمه الكفار بآرائهم ، أتبعه ذكر ما حرم الله عز وجل وتقديره ، و { الفواحش } ما فحش وشنع وأصله من القبح في المنظر ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]
وجيد كجيد الريم ليس بفاحش*** إذا هي نصته ولا بمعطل
ثم استعمل فيما ساء من الخلق وألفاظ الحرج والرفث ، ومنه الحديث ليس بفاحش في صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنه قوله لسلمة بن سلامة بن وقش «أفحشت على الرجل » في حديث السير ، ومنه قوله الحزين في كثير عزة : [ الطويل ]
قصير القميص فاحش عند بيته*** وكذلك استعمل فيما شنع وقبح في النفوس . والحسن في المعاني إنما يتلقى من جهة الشرع ، والفاحش كذلك ، فقوله هنا { الفواحش } إنما هي إشارة إلى ما نص الشرع على تحريمه في مواضع أخر ، فكل ما حرمه الشرع فهو فاحش وإن كان العقل لا ينكره كلباس الحرير والذهب للرجال ونحوه ، وقوله : { ما ظهر منها وما بطن } يجمع النوع كله لأنه تقسيم لا يخرج عنه شيء ، وهو لفظ عام في جميع الفواحش وذهب مجاهد إلى تخصيص ذلك بأن قال { ما ظهر } الطواف عرياناً ، والبواطن الزنى ، وقيل غير هذا مما يأتي على طريق المثال ، و { ما } بدل من الفواحش وهو بدل بعض من كل ، ومجموع القسمين يأتي بدل الشيء من الشيء وهو هو ، { والإثم } أيضاً : لفظه عام لجميع الأفعال والأقوال التي يتعلق بمرتكبها إثم ، هذا قول الجمهور ، وقال بعض الناس : هي الخمر واحتج على ذلك بقوله الشاعر : [ الوافر ]
قال القاضي وأبو محمد : وهذا قول مردود لأن هذه السورة مكية ولم تعن الشريعة لتحريم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد لأن جماعة من الصحابة اصطحبوها يوم أحد وماتوا شهداء ، وهي في أجوافهم ، وأيضاً فبيت الشعر يقال إنه مصنوع مختلق ، وإن صح فهو على حذف مضاف ، وكأن ظاهر القرآن على هذا القول أن تحريم الخمر من قوله تعالى : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير } وهو في هذه الآية قد حرم ، فيأتي من هذا الخمر والإثم محرم فالخمر محرمة .
قال القاضي أبو محمد : ولكن لا يصح هذا لأن قوله { فيهما إثم } لفظ محتمل أن يراد به أنه يلحق الخمر من فساد العقل والافتراء وقتل النفس وغير ذلك آثام فكأنه قال في الخمر هذه الآثام أي هي بسببها ومعها وهذه الأشياء محرمة لا محالة ، وخرجت الخمر من التحريم على هذا ولم يترتب القياس الذي ذهب إليه قائل ما ذكرناه ، ويعضد هذا أنّا وجدنا الصحابة يشربون الخمر بعد نزول قوله { قل فيهما إثم } وفي بعض الأحاديث فتركها قوم للإثم الذي فيها وشربها قوم للمنافع ، وإنما حرمت الخمر بظواهر القرآن ونصوص الأحاديث وإجماع الأمة .
{ والبغي } : التعدي وتجاوز الحد ، كان الإنسان مبتدئاً بذلك أو منتصراً فإذا جاوز الحد في الانتصار فهو باغ ، وقوله : { بغير الحق } زيادة بيان وليس يتصور بغي بحق لأن ما كان بحق فلا يسمى بغياً ، { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً } المراد بها الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله ، و «السلطان » البرهان والحجة ، { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } من أنه حرم البحيرة والسائبة ونحوه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.