فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

قوله : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الفواحش } جمع فاحشة . وقد تقدّم تفسيرها { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } أي : ما أعلن منها وما أسرّ ، وقيل : هي خاصة بفواحش الزنا ، ولا وجه لذلك ؛ والإثم يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم ؛ وقيل : هو الخمر خاصة ؛ ومنه قول الشاعر :

شربت الإثم حتى ضلّ عقلي *** كذاك الإثم تذهب بالعقول

ومثله قول الآخر :

يشرب الإثم بالصواع جهارا *** . . .

وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصاً بالخمر . قال النحاس : فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك ، وحقيقته أنه جميع المعاصي ، كما قال الشاعر :

إني وجدت الأمر أرشده *** تقوى الإله وشرّه الإثم

قال الفراء : الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى . وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به ، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها . قال في الصحاح : وقد يسمى الخمر إثماً ، وأنشد :

شربت الإثم *** . . .

البيت ، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته . قوله : { والبغي بِغَيْرِ الحق } أي : الظلم المجاوز للحد ، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنباً عظيماً كقوله : { وينهى عَنِ الفحشاء والمنكر والبغي } { وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سلطانا } أي : وأن تجعلوا لله شريكاً لم ينزل عليكم به حجة . والمراد التهكم بالمشركين ، لأن الله لا ينزل برهاناً بأن يكون غيره شريكاً له : { وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ } بحقيقته وأن الله قاله ، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها .

/خ33