تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

الآية 33 وقوله تعالى : { قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق } يشبه أن تكون هذه الآية مقابل قوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } [ النحل : 90 ] كما خرج آخر الآية ، وهو قوله تعالى : { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } [ النحل : 90 ] مقابل الأول ، وهو قوله تعالى : { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } والنهي هناك نهي تحريم كالتّنصيص على التحريم ، وتكون الفحشاء التي{[8283]} ذكر في هذه الآية الفواحش التي ذكر في تلك{[8284]} ، والمنكر الذي ذكر ههنا هو الإثم الذي ذكر في ذلك ، وذكر البغي ههنا وهناك البغي .

ثم الفحشاء هو الذي ظهر قبحه في العقل والسمع ، والمنكر هو الذي ظهر الإنكار فيه على مرتكبه ، والإثم هو الذي يأثم المرء فيه ، والبغي من مظالم الناس ؛ يظلم بعضهم على بعض .

وقال بعضهم : الفواحش الكبائر ، والإثم هو الصغائر ، والبغي هو ما أخذ ما عصم من مال أو نفس بعقد الإسلام على ما روي عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني أنفسهم وأموالهم إلا بحقّها ) [ البخاري : 25 ] فكل ما صار معصوما بالإسلام من مال أو نفس ، فأخذ فذلك{[8285]} بغي وظلم إلا ما ذكر بحقها .

وأصل البغي هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له . وقال أهل التأويل { الفواحش } هو الزّنى { ما ظهر منها } علانية { وما بطن } منها سرا . لكن الفواحش ما ذكرنا أن ما قبح في العقل والسمع ، وفحش فيهما ، فهي الفاحشة . وأصل المنكر كل ما [ لا ]{[8286]} يعرف كقول إبراهيم : { إنكم قوم منكرون } [ الحجر : 62 ] والمنكر ما أنكره العقل والسمع أيضا .

وقوله تعالى : { وأن تشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانا } أي وحرّم أيضا أن تشركوا بالله . وقوله تعالى : { ما لم ينزّل به سلطانا } ليس على أنه ينزّل [ به ]{[8287]} سلطانا على الإشراك بحال ، ولكن على أنهم يشركون بالله من غير حجج وسلطان ؛ لأن أهل الإسلام هم الذين يدينون بدين ظهر بالحجج والآيات ، وهم يدينون بدين ، لا يظهر بالحجج والآيات ولكن بما هوت به أنفسهم ، واشتهت .

ويحتمل قوله تعالى : { ما لم ينزّل به سلطانا } [ وجهين :

أحدهما ]{[8288]} أي عذرا ، لأنه يجوز أن يعذر المرء بحال في إجراء كلمة الكفر على لسانه عند الإكراه ، ولا يصير به كافرا ، إذا كان قلبه مطمئنا بالإسلام ومنشرحا كقوله تعالى : { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } [ النحل : 106 ] ؛ [ أي ، يشركون ]{[8289]} بالله من غير أن ينزل بهم حال عذر ، وقوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .

والثاني : أي تعلمون أنهم يقولون على الله ما لا تعلمون أنه حرّم كذا ، وأمر بكذا .

وقوله تعالى : { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } هذا على الجهل والأول على العلم كقوله تعالى : { قل أتنبّئون الله بما لا يعلم } [ يونس : 18 ] أي أتنبّئون{[8290]} الله [ بما لا يعلم ، أي أتنبّئون{[8291]} الله ]{[8292]} بما يعلم أنه ليس ما تقولون .


[8283]:في الأصل وم: الذي.
[8284]:في الأصل وم: ذاك.
[8285]:في الأصل وم: ذلك.
[8286]:ساقطة من الأصل وم.
[8287]:ساقطة من الأصل وم.
[8288]:ساقطة من الأصل وم.
[8289]:من م، في الأصل: أن تشركوا.
[8290]:الهمزة ساقطة من الأصل.
[8291]:الهمزة ساقطة من م.
[8292]:من م، ساقطة من الأصل.