نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

ولما بين أن ما حرموه ليس بحرام فتقرر{[32172]} ذلك تقرراً نزع من النفوس ما كانت ألفته من خلافه{[32173]} ، ومحا من القلوب ما كانت أشربته من ضده ؛ كان كأنه قيل : فماذا حرم الله الذي ليس التحريم إلا إليه ؟ فأمره تعالى بأن يجيبهم عن ذلك ويزيدهم بأنه لم يحرم غيره فقال : { قل إنما حرم ربي } أي المحسن إليّ بجعل ديني أحسن الأديان { الفواحش } أي كل فرد منها وهي ما زاد قبحه ؛ ولما كانت الفاحشة ما يتزايد قبحه فكان ربما ظن أن الإسرار بها غير{[32174]} مراد بالنهي قال : { ما ظهر منها } بين الناس { وما بطن } .

ولما كان هذا خاصاً{[32175]} بما عظمت شناعته قال : { والإثم } أي مطلق الذنب{[32176]} الذي يوجب الجزاء ، فإن الإثم الذنب والجزاء ؛ ولما كان البغي زائد القبح مخصوصاً بأنه من أسرع الذنوب عقوبة ، خصه بالذكر فقال : { والبغي } وهو الاستعلاء على الغير ظلماً ، و{[32177]}لكنه لما كان قد يطلق{[32178]} على مطلق الطلب ، حقق معناه العرفي الشرعي فقال : { بغير الحق } أي الكامل الذي ليس فيه شائبة باطل ، فمتى كان فيه شائة باطل كان بغياً ، ولعله يخرج العلو بالحق بالانتصار من الباغي فإنه حق كامل الحقية ، وتكون{[32179]} تسميته بغياً على طريق المشاكلة تنفيراً - بإدخاله تحت اسم البغي - من تعاطيه وندباً إلى العفو كما تقدم مثله في

{ لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم }{[32180]} ويمكن أن يكون تقييده تأكيداً لمنعه بأنه لا يتصور إلا موصوفاً بأنه بغير الحق كما قال تخصيصاً وتنصيصاً{[32181]} تنبيهاً على شدة الشناعة : { وأن تشركوا بالله } أي الذي اختص بصفات الكمال { ما لم ينزل به سلطاناً } فإنه لا يوجد ما يسميه أحد شريكاً إلا وهو مما لم ينزل به الله سلطاناً بل ولا حجة به في الواقع ولا برهان ، ولعله إنما قيده بذلك إرشاداً إلى أن أصول الدين لا يجوز اعتمادها إلا بقاطع فكيف بأعظمها وهو التوحيد ! ولذلك عقبه بقوله : { وأن } أي وحرم أن { تقولوا على الله } أي الذي لا أعظم منه ولا كفوء له و { ما لا تعلمون* } أي ما ليس لكم به علم بخصوصه ولا هو مستند إلى علم أعم من أن يكون من الأصول أو لا .


[32172]:- من ظ، وفي الأصل: تقرر.
[32173]:- من ظ، وفي الأصل: اخلافه.
[32174]:- من ظ، وفي الأصل: ثم.
[32175]:- من ظ، وفي الأصل: فرضا.
[32176]:- في ظ: الكذب.
[32177]:- سقط من ظ.
[32178]:- من ظ، وفي الأصل: نطق.
[32179]:- من ظ، وفي الأصل: يكون.
[32180]:- سورة 4 آية 148.
[32181]:- من ظ، وفي الأصل: مخصصا.