فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

{ قل } للمشركين الذين يتجردون من ثيابهم في الطواف والذين يحرمون أكل الطيبات إن الله لم يحرم ما تحرمونه بل أحله و { إنما حرم ربي الفواحش } من الأفعال والأقوال جمع فاحشة أي كل معصية وقد تقدم تفسيرها { ما ظهر منها وما بطن } أي ما أعلن منها وما أسر ، يعني جهرها وسرها ، وقيل هي خاصة بفواحش الزنا ، ولا وجه لذلك ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال لا أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه ) ، أخرجه البخاري ومسلم{[745]} .

{ والإثم } هو يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم ، وهو عطف عام على خاص لمزيد الاعتناء بها ، وقيل هو الخمر الخاص ، وقد أنكره جماعة من أهل العلم ، قال النحاس : فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك وحقيقته أنه جميع المعاصي .

قال الفراء : الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس انتهى ، وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به فهو أحد المعاني التي يصدق عليها قال في الصحاح وقد سمى الخمر إثما وقال الحسن وعطاء :

الإثم من أسماء الخمر ، وقال ابن سيده صاحب المحكم : وعندي أن تسمية الخمر بالإثم صحيح لأن شربها إثم ، وأنكر أبو بكر بن الأنباري تسمية الخمر بالإثم قال :

لأن العرب ما سمته إثما قط في جاهلية ولا إسلام ولكن قد يكون الخمر داخلا تحت الإثم لقوله : { قل فيهما إثم كبير } .

وقيل : الإثم صغائر الذنوب والفواحش كبائرها وقيل الإثم اسم لما لا يجب فيه الحد والفاحشة ما يجب فيه الحد من الذنوب ، وهذا القول قريب من الأول وقيل الإثم في أصل اللغة الذنب فيدخل فيه الكبائر والصغائر ، وقيل الفاحشة الكبيرة والإثم مطلق الذنب كبيرا كان أو صغيرا ، وأولى هذه الأقوال أولها .

{ والبغي بغير الحق } أي الظلم المجاور للحد والاستطاعة على الناس ، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله { وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي } وإذا طلب ماله بالحق من أن يكون بغير الحق .

{ وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا } أي وأن تجعلوا لله شريكا لم ينزل عليكم به حجة وتسووا به في العبادة والمراد التهكم بالمشركين لأن الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا له { وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } بحقيقته وأن الله قاله ، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات أو التحريمات التي لم يأذن بها .


[745]:رواه مسلم /2760 وله برواية أخرى. ليس أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك مدح نفسه وليس أحد أغير من الله. من أجل ذلك حرم الفواحش (ما ظهر منها وما بطن) وليس أحد أحب إليه العذر من الله. ورواه البخاري 2003.