قوله تعالى : { ثم استوى إلى السماء } أي : عمد إلى خلق السماء ، { وهي دخان } وكان ذلك الدخان بخار الماء ، { فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً } أي : ائتيا ما آمركما أي : افعلاه ، كما يقال : ائت ما هو الأحسن ، أي : افعله . وقال طاوس عن ابن عباس : ائتيا : أعطيا ، يعني اخرجا ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد . قال ابن عباس : قال الله عز وجل : أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعاً وإلا ألجأتكما إلى ذلك حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع ، و{ قالتا أتينا طائعين } ولم يقل طائعتين ، لأنه ذهب به إلى السماوات والأرض ومن فيهن ، مجازه : أتينا بما فينا طائعين ، فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل .
قوله : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } أي عمد إلى خلقها ، وقصد لتسويتها . وقيل : صعد أمره إلى السماء { وَهِيَ دُخَانٌ } والمراد بالدخان ههنا بخار الماء ، وهكذا كانت السماء في أول نشأتها . كانت طبقات كثافا من بخار الماء قبل أن يبرد وييبس ويصير أجراما سماوية مختلفة الأشكال والأحجام ، وقد ذكر الباحثون في علوم الطبيعة أن الكون كله كان في بداية تكوينه ونشأته سديما واحدا مختلطا من كتلة هائلة من الغاز شديد الحرارة حتى إذا برد تحوّل إلى مختلف الأجرام السماوية من الكواكب والنجوم والأرض وغير ذلك من مركبات هذا الفضاء الواسع .
قوله : { فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } أمر الله السماء والأرض أن يجيئا بما خلقه فيهما ، { طَوْعًا أَوْ كَرْهًا } ، أي طائعين أو مكرهتين ، فالسماء تجيء بما خلق فيها من شمس وقمر ونجوم وكواكب ، والأرض تجيء بما خلق فيها من خيرات وثمرات ونباتات وأنهار وجبال وسهول ؛ فقد أمرهما الله أن يجيئا بما خلق فيهما من أسباب الرزق والعيش ومن كمال الصورة والهيئة وتمام الاتساق والانسجام طائعتين أو مكرهتين { قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } جمعهما جمع من يعقل ؛ لأنه وصفهما بالقول والطاعة وذلك من صفات من يعقل{[4049]} فقد بادرت الأرض والسماء الجواب قائلين { أَتَيْنَا طَائِعِينَ } أي أعطينا طائعين من غير إكراه ، أو أتينا أمرك طائعين . والمراد بالقول منهما : ظهور الطاعة منهما ؛ إذ انقادا وامتثلا للأمر فقم ذلك مقام قولهما .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.